فإنما تدرك من حيث هي محسوسة ومتخيلة باله متجزية وكما أن اثبات كثير من الأفاعيل نقص للواجب الوجود كذلك اثبات كثير من التعقلات بل الواجب الوجود انما يعقل كل شئ على نحو كلي ومع ذلك لا يعزب عنه شئ شخصي ولا يعزب عنه مثقال ذره في السماوات والأرض وهذا من العجائب التي يحوج تصورها إلى لطف قريحة واما كيفية ذلك فلانه إذا عقل ذاته وعقل انه مبدأ كل موجود عقل أوائل الموجودات عنه وما يتولد عنها ولا شئ من الأشياء يوجد الا وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وقد بينا هذا فيكون هذه الأسباب تتأدى بمصادماتها إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية فالأول يعلم الأسباب ومطابقاتها فيعلم ضرورة ما يتأدى إليها و ما بينها من الأزمنة وما لها من العودات لأنه ليس يمكن ان يعلم تلك ولا يعلم هذا فيكون مدركا للأمور الجزئية من حيث هي كليه أعني من حيث لها صفات وان تخصصت بها شخصا فبالإضافة إلى زمان متشخص أو حال متشخصة لو اخذت تلك الحال بصفاتها كانت أيضا بمنزلتها لكونها تستند إلى مباد كل واحد منها نوعه في شخصه فيستند إلى أمور شخصية وقد قلنا إن مثل هذا الاستناد قد يجعل للشخصيات رسما ووصفا مقصورا عليها ثم قال ونعود فنقول كما انك إذا تعلم حركات السماوات كلها فأنت تعلم كل كسوف وكل اتصال وكل انفصال جزئي يكون بعينه ولكنه على نحو كلي لأنك تقول في كسوف ما انه كسوف يكون بعد زمان حركه يكون لكذا من كذا إلى كذا شماليا فصيفيا ينفصل القمر منه إلى مقابله كذا (1) ويكون بينه وبين كسوف مثله سابق له أو متأخر عنه مده كذا وكذلك بين الكسوفين الآخرين حتى لا تغادر عارضا من عوارض تلك الكسوفات الا علمته ولكنك علمته كليا لان هذا المعنى قد يجوز ان يحمل على كسوفات كثيره كل واحد منها يكون حاله تلك الحال لكنك تعلم بحجه ما ان ذلك الكسوف لا يكون
(٤٠٥)