تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيد أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال!!
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلبات الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهد فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألقاكم تدعونه مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمأكم فألقاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين!
فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون، بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين!
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نقرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإخماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا بارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون!
أفلا تعلمون؟ بلى تجلى لكم كالشمس الضاحية، أني ابنته.