ومنه يظهر جواز التمسك بعمومات وجوب الوضوء بعد حصول أسبابه، ومقتضى ذلك - على ما سبق في محله، من أن الأصل عدم التداخل -:
هو كون كل واحد من تلك الأسباب ولو وقع عقيب مثله مقتضيا لتكليف مستقل بالطهارة، غاية الأمر أنه إذا علم تعاقبهما اكتفى الشارع بامتثال التكليفين بفعل واحد، فإذا لم يعلم تواليهما لم يعلم سقوط التكليفين بفعل واحد، فلا بد من فعل آخر ليعلم بالسقوط.
هذا، لكن يرد على الأول: أن عدم العلم بخروج ما نحن فيه عن عموم الآية غير مجد، بل لا بد من العلم بدخوله (1) فيه، ولو بحكم أصالة العموم الراجعة إلى أصالة الحقيقة، وهي غير جارية فيما نحن فيه، لأن الآية مخصصة بالمتطهر، للإجماع، وبمثل قوله: " إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك قد أحدثت "، الدال على نفي وجوب الوضوء مع عدم تيقن الحدث قبله، وقولهم عليهم السلام: " يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلاة الليل والنهار " (2).
والشك فيما نحن فيه في كون الشخص من مصاديق عنوان المخصص أو من مصاديق عنوان العام، نظير أكرم العلماء إلا زيدا إذا شك في كون شخص زيدا أو غيره، فإن كونه زيدا أو غير زيد لا يؤثر في أصالة الحقيقة في العموم، بعد العلم بأنه لم يخصص إلا بزيد، ولم يرد منه إلا معنى مجازي واحد، وهو ما عدا زيد، فليس الشك في المراد حتى يجري أصالة الحقيقة، وإنما المشكوك صدق المراد المعلوم تفصيلا على أمر خارجي.