وتداعيتم إليها كتداعي الفراش فسحقا لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون وعنا تخاذلون أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه أصولكم وتازرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر واكلة للغاصب الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله هم، الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، الا قد أعذرت وأنذرت، الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان النصر، ثم وصل ع كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي فقال:
- فان نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا - - وما ان طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا - - فأفنى ذلكم سروات قومي * كما افنى القرون الأولينا - - فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا - - فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا - ثم قال: أما والله لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم.
وخرج زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فوعظهم فسبوه وأثنوا على ابن زياد فقال لهم: يا عباد الله ان ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فرماه شمر بسهم وتسابا وقال له شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال:
أ فبالموت تخوفني والله للموت أحب إلي من الخلد معكم، فامره الحسين ع فرجع.
ولما رأى الحر بن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين ع قال لعمر بن سعد أ مقاتل أنت هذا الرجل قال اي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي قال فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى، فاقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال لا، قال فما تريد ان تسقيه؟ قال قرة فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان أراه حين يصنع ذلك، فقلت له لم اسقه وانا منطلق فاسقيه فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ع، فاخذ الحر يدنو من الحسين ع قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد؟
أ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة، فقال له المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك، فقال الحر: اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، فوالله اني لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين ع ويده على رأسه وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك، وقال للحسين ع جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك إلى هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة؟ فقال الحسين ع: نعم يتوب الله عليك فأنزل، قال أنا لك فارسا خير منى راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري، فقال له الحسين ع فاصنع يرحمك الله ما بدا لك، فاستقدم أمام الحسين ع ونادى أهل الكوفة ووعظهم وأنبهم فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين ع. ونادى عمر بن سعد يا دريد ادن رأيتك فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين ع وقال اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين ع أحد الا أصابه من سهامهم فقال ع لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين ع جماعة. ثم صاح الحسين ع أ ما من مغيث يغيثنا لوجه الله، أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ص وكان يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي ويكنى أبا الشعثاء في أصحاب ابن سعد، فلما ردوا على الحسين ع ما عرضه عليهم عدل إليه فقاتل بين يديه وجعل يرتجز ويقول:
- انا يزيد وأبي مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر - - يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر - وجثا بين يدي الحسين ع فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا وكلما رمى يقول له الحسين ع اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب وكان أول من قتل ثم ارتمى الناس وتبارزوا فكان أصحاب الحسين ع كما قيل فيهم:
- قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس - - لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا * يتهافتون على ذهاب الأنفس - فبرز يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا من يبارز فقام عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي فاستأذن الحسين ع في مبارزتهما وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين فنظر إليه الحسين ع وقال اني احسبه للاقران قتالا وأذن له وكان قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته أم وهب إلى الحسين ع لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حرب الحسين ع قال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا واني لأرجو ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا عند الله من جهاد المشركين، فأخبر زوجته فقالت أصبت أخرج واخرجني معك فشد على يسار فضربه بسيفه حتى برد وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد، فإنه لمشتغل بضربه إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ به حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى