ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا والتقى الحسين وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو أربعا ثم كتب عمر إلى ابن زياد اما بعد فان الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة هذا الحسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه اتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح وعن عقبة بن سمعان أنه قال والله ما أعطاهم الحسين ع أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير إلى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه أو أذهب في هذه الأرض العريضة قال فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه فقام إليه شمر بن ذي الجوشن وقال أ تقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولي بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وأن عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وان أبوا فليقاتلهم فان فعل فاسمع له وأطع وان أبى فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكتب إلى ابن سعد اني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شافعا انظر فان نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم لي سلما وان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون فان قتلت حسينا فاوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قتله لو قد قتلته لفعلت هذا به فان أنت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بامرنا والسلام فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له ما لك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لأظنك أنت نهيته ان يقبل ما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا كنا قد رجونا أن يصلح لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر بن ذي الجوشن اخبرني بما أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال لا ولا كرامة لك ولكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة ونهض عمر بن سعد إلى الحسين ع عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين ع فقال أين بنو أختنا يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان أبناء علي ع فقال الحسين ع أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم، وذلك أن أمهم أم البنين كانت من بني كلاب وشمر من بني كلاب، فقالوا له ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع اخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد، فقالوا له لعنك الله ولعن أمانك أ تؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وناداه العباس ابن أمير المؤمنين ع تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أ تامرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء، فرجع الشمر إلى عسكره مغضبا وكان ابن خالهم عبد الله بن أبي المحل بن حرام وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد اخذ لهم أمانا من ابن زياد وأرسله إليهم مع مولى له وذلك أن أمهم أم البنين بنت حرام زوجة علي ع هي عمة عبد الله هذا فلما رأوا الكتاب قالوا لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير من أمان ابن سمية ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين ع جالس امام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أ ما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين ع رأسه فقال اني رأيت رسول الله ص الساعة في المنام فقال إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين ع ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله وفي رواية انه ع جلس فرقد ثم استيقظ وقال يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح إلينا عن قريب وقال له العباس يا أخي اتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب أنت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم فاتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء أمر الأمير ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين ع فلما اخبره العباس بقولهم قال له ارجع إليهم فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار وأراد الحسين ع أيضا ان يوصي أهله فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقاح له عمرو بن الحجاج الزبيدي سبحان الله والله لو أنهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد وقال له قيس بن الأشعث بن قيس أجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال.
الأبطال فأجابوهم إلى ذلك فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء قال زين العابدين ع فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وانا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه: اثني على الله أحسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعل لنا اسماعا وابصارا وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا واني لأظن يوما لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري قال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك ابدا، بدأهم بهذا القول أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ثم نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا قد أذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وما نقول لهم انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل