دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي ع وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز و اللحم والتمر ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة ثم أشار إلى الاستئذان وتقبيل العتبة قال وهي من الفضة وكذلك العضادتان ثم يدخل الزائر القبة وفي وسطها مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه شئ وارتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة قبور يزعمون أنها قبر آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام وعلي رضي الله عنه وبين القبور طشوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر في ذلك يده ويدهن به وجهه تبركا وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة يفضي إلى مسجد وله أبواب أربعة عتبتها فضة اه وذلك هو الذي بناه عمران بن شاهين في أيام عضد الدولة بعد عمارة عضد الدولة وقوله إن بين القبور طشوت ذهب وفضة لعله اشتباه منه فرأى أواني تشبه الذهب والفضة فظنها منهما فاستعمال أواني الذهب والفضة محرم لا يمكن أن يرخص فيه العلماء ولا أن يستعمل من دون إذنهم. وقال ابن طاوس في فرحة الغري: إن عضد الدولة بني الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام اه وإلى الآن يعرف الباقي منه في دهليز باب الطوسي بمسجد عمران. وبلغ عضد الدولة الغاية في تعظيم المشهد وبنى لنفسه قبة عظيمة في النجف بجوار المشهد من جهة الغرب وأوصى أن يدفن فيها فدفن هناك وبقيت القبة حتى هدمها السلطان سليمان العثماني لما دخل العراق سنة 940 وجعلها تكية للبكتاشية وبقيت إلى هذا الزمان وبابها في الجهة الغربية من الصحن الشريف. وبعض يظن أن الذي فعل ذلك هو السلطان سليم والصواب أنه ولده سليمان وإنما نسب إلى سليم لشهرته. وحكى بعض المعاصرين عن صاحب خريدة العجائب أنه قال عند ذكر الكوفة وفيها قبة عظيمة يقال أنها قبر علي بن أبي طالب والقبة بناء أبي العباس عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس. وفي نزهة الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي المكي أنه قد عقدت على قبر آدم ونوح وعلي ع قبة عظيمة وأول من عقد هذه القبة عليهم عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس ثم عمرها الملوك من بعده اه وعبد الله هذا هو والد سيف الدولة الملقب بأبي الهيجاء ولاه المكتفي امارة الموصل سنة 293، وإذا صحت هذه الرواية كان بناء عبد الله بن حمدان قبل بناء عضد الدولة لأن ابن حمدان توفي قبل سنة 317 وعضد الدولة توفي سنة 772 ولكن لم نجد من ذكر بناء عبد الله بن حمدان غيرهما والله أعلم.
العمارة الرابعة التي حصلت بعد عمارة عضد الدولة التي احترقت كما مر فجددت سنة 760 ولا يعلم مجددها وربما تكون من جماعة لا من شخص واحد ولذلك لم يذكر مجددها والعادة قاضية بأنها لو كانت من شخص واحد لذكر اسمه خصوصا إذا كان معروفا وخصوصا ممن شاهدها كابن العتايقي كما مر. وفي أثناء هذه المدة حدثت فيه اصلاحات وعمارات من البويهيين والحمدانيين وبعض العباسيين وبني جنكيز والإيلخانيين وغيرهم.
العمارة الخامسة الموجودة اليوم والمشهور بين أهل النجف انها للشاه عباس الصفوي الأول وان المباشر والمهندس لها الشيخ البهائي فجعل القبة خضراء بعد ما كانت بيضاء ولكن في رسالة نزهة أهل الحرمين إن الابتداء بها كان بأمر الشاه صفي الصفوي سنة 1047 كما ذكره صاحب البحر المحيط واشتغلوا بها إلى أن توفي الشاه صفي سنة 1052 فأتمها ابنه الشاه عباس الثاني وما اشتهر بين أهل النجف انها عمارة الشاه عباس بهذا الاعتبار ثم استشهد على ذلك بكلام السيد شرف الدين علي النجفي في حواشيه على اثني عشرية صاحب المعالم حيث قال عند ذكر محراب مسجد الكوفة وحائطه القبلي وان فيهما تيامنا عكس ضريحه المقدس ما لفظه: وعند عمارته بأمر السلطان الأعظم الشاه صفي قلت للمعمار غيره إلى التيامن فغيره ومع هذا فله تياسر في الجملة ومخالف لمحراب الكوفة اه واستشهد أيضا بقول الشيخ محمد بن سليمان بن زوير السليماني: الذي ثبت عندي ان أول عمارته الموجودة الآن كانت سنة 1057 والشاه صفي توفي 1052 والمشهور بين أهل المشهد ان العمارة كانت في أكثر من عشرين سنة ولا يستقيم ذلك إلا بان يكون مبدأ العمارة كان زمن الشاه صفي وإتمامها على يد الشاه عباس اه أقول كلام السيد شريف الدين يدل على عمارته بأمر الشاه صفي ولا ينفي ان يكون عمر قبل ذلك بأمر الشاه عباس الأول فقد بقي في الملك 72 سنة فيمكن ان يكون عمره في أوائل سلطنته ثم وقع فيه خلل فأعاده حفيده الشاه صفي واما كلام السليماني فظاهر انه اجتهاد لقوله: الذي ثبت عندي وبنائه ان إكمال عمارته على يد الشاه عباس الثاني على ما اشتهر بين أهل المشهد فإذا كانت للشهرة بينهم قيمة فليعتبر ما اشتهر بينهم إن مؤسسها الشاه عباس الأول ويحصل الجمع بذلك على إن امتداد العمارة أكثر من عشرين سنة والآمر بها ملك عظيم بعيد عن الاعتبار على أن المحكي عن المنتظم الناصري في حوادث سنة 1042 إن الشاه صفي حينما زار المشهد الشريف رأى بعض النقصان في بناء المرقد فامر وزيره ميرزا تقي المازندراني باصلاح تلك الأماكن المشرفة فجاء بالمعمارين والمهندسين إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنين مشغولا بهذا العمل اه وهو ينافي ما تقدم عن السليماني ولعله الصواب هذا مع ما يظهر من بعض القيود ان الشاه صفي وسع الصحن الشريف وزاد عليه والله أعلم ثم جدد عمارة الصفوية السلطان نادر الأفشاري وزاد عليها وزخرف القبة الشريفة ومنارتي المشهد وايوانه بالذهب الأبريز بعد فتحه الهند كما هي عليه اليوم ويقال ان على كل لبنه تومانا نادريا من الذهب واهدى إلى المشهد الشريف من الجواهر والتحف شيئا كثيرا وذلك في سنة 1156 أو 54 وكتب اسمه داخل طاق الباب الشرقي هكذا المتوكل على الملك القادر السلطان نادر وتحته تاريخ لم يبق بذاكرتي وأظنه التاريخ السابق وعمر فيه الشاه احمد ناصر الدين القاجاري بعد ذلك وتنافست الملوك والأمراء في عمارته والإهداء إليه واهدى إليه السلطان عبد العزيز العثماني شمعدانين عظيمين من الفضة المؤزرة بالذهب على أبدع شكل وكذلك إلى مشهد الحسين ع ومثلهما إلى مشهدي الكاظمية وسامراء ومشهد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد.
أسوار النجف لما كانت النجف على طرف البرية المتصلة ببر الشام وكان يخشى