طالب الملقب بالداعي الصغير ملك الطبرستان بعد أخيه الحسن بن زيد، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وخطب له رافع بن هرثمة بنيسابور ثم سار إلى خراسان لما بلغه أسر الصفار ليستولي عليها، وحاربه محمد بن هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني وجرى بينهما قتال شديد ثم انهزم عسكر العلوي وجرح جراحات عديدة ومات منها بعد أيام سنة 287 وأسر ابنه زيد بن محمد في المعركة وحمله إلى إسماعيل الساماني فأكرمه ووسع عليه وحمل رأسه إلى إسماعيل إلى بخارى ودفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمد بن الصادق. قال ابن طاوس في فرحة الغري أن محمد بن زيد الداعي بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد اه والمعتضد بويع سنة 279 وتوفي 289. وعن محمد بن أبي طالب في كتابه زينة المجالس أنه قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد ابن الحسن فامر محمد بعمارة المشهدين مشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين وأمر بالبناء عليهما اه وممن ذكر بناء محمد بن زيد العلوي محمد بن طحال فيما حكي عنه.
ويدل بعض الأخبار أن الذي بناه الحسن بن زيد الملقب بالداعي الكبير أخو محمد بن زيد المتقدم ظهر بطبرستان سنة 250 وتوفي سنة 270 قتله مرداويج الديلمي ففي ذيل خبر داود العباسي المتقدم الذي مر أنه عمر عليه الصندوق قال أبو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد، وفي ذيل حديث ابن الشجري المشار إليه آنفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالداعي الخارج بطبرستان اه ولعله وقع اشتباه من النساخ أو بعض المؤلفين فأبدل اسم محمد باسم أخيه الحسن أو أن الحسن كان قد بنى عليه حائطا ثم بناه أخوه محمد فجعل له حصنا بسبعين طاقا كما مر وبعد ذلك زيد فيه.
وممن عمره الشريف عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر المقتول سنة 250 ابن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. في مستدركات الوسائل أن عمر الثاني هذا رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة سنة 323 وبنى قبة جده أمير المؤمنين ع من خالص ماله اه.
هذا ولكن يظهر من بعض الروايات أن ابن زيد هو أول من بنى على القبر الشريف وأنه قبل عمارته لم يكن عليه بناء ولم يكن عليه شئ وما كان إلا الأرض وهو ينافي ما مر من أن أول من بناه الرشيد وأن داود العباسي عمل له صندوقا، فعن الطبري في دلائل الإمامة عن حبيب بن الحسين عن عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن أحنف عن الصادق ع في حديث زيارته لأمير المؤمنين ع قال: هاهنا قبر أمير المؤمنين، أما أنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل يبني عليه قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شئ ثم أن محمد بن زيد وجه فبنى عليه اه. وعن كتاب المنتظم لأبي الفرج الجوزي: أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي سمعت أبا الغنائم ابن السرسي كان يقول توفي بالكوفة 313 من الصحابة لا يدري أحد منهم قبره إلا قبر علي، وجاء جعفر بن محمد ومحمد بن علي بن الحسين فزارا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي ولم يكن إذ ذاك القبر وما كان إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي فاظهر القبر اه. ولكن ما تقدم يؤكد بناء الرشيد عليه لا سيما قول ابن طاوس أن الجرة الخضراء التي أنت على أعلى القبة موجودة في الخزانة، ويمكن أن يكون بناء الرشيد قد انهدم ودرس لا سيما أنه كان من طين أحمر وأما بناؤه القبر بالآجر الأبيض فالظاهر أنه كان تحت الأرض ولم يكن ظاهرا منه إلا قدر أربع أصابع أو نحو ذلك فطمر بالرمال على طول المدة.
العمارة الثالثة عمارة السلطان عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي في أيام الطائع فإنه عمر المشهدين العلوي والحسيني وبلغ الغاية في تعظيمهما والأوقاف عليهما وعمر مشهد أمير المؤمنين ع عمارة عظيمة وأنفق عليه أموالا جليلة وستر حيطانه بخشب الساج المنقوش ووقف له الأوقاف وبنى عليه قبة بيضاء، وفيها يقول ابن الحجاج الشاعر المشهور:
- يا صاحب القبة البيضاء على النجف * من زار قبرك واستشفى لديك شفي - وملك عضد الدولة العراق سنة 367 وتوفي 372 والظاهر أن العمارة كانت سنة 369 فما يوجد في بعض المؤلفات أن عمارته كانت سنة 338 وما في بعضها أنها كانت سنة 376 اشتباه لأن التاريخ الأول متقدم على ولايته العراق والثاني متأخر عن وفاته. قال الديلمي في ارشاد القلوب بعد ما ذكر أن الرشيد أمر أن يبنى عليه قبة بأربعة أبواب: وبقي إلى أيام السلطان عضد الدولة فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو وعساكره وبعث فاتي بالصناع والأستاذية من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف أموالا كثيرة جزيلة وعمر المشهدين عمارة جليلة حسنة هي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم اه وظاهره أن العمارة التي كانت قبل عمارة عضد الدولة هي عمارة الرشيد مع أنها عمارة الحسن بن زيد. وفي عمدة الطالب عند ذكره لهذه العمارة قال: وعين له أوقافا ولم تزل عمارته باقية إلى سنة 753 وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ولم يبق من عمارة عضد الدولة الا القليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق اه. ولكن عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلي المجاور بالنجف الأشرف في نسخته المخطوطة في الخزانة العلوية الذي تم كتابة في المحرم سنة 755 قال: في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية صلوات الله على مشرفها وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 اه وهو أعرف بتاريخ احتراقها من صاحب ارشاد الديلمي لأنه شاهده وذلك متأخر عنه لأنه توفي 841 وأراد عضد الدولة أن يجري الماء من الفرات إلى النجف تحت الأرض لأن مكانه مرتفع لا يمكن أن يصل إليه الماء على وجه الأرض فحفر إلى جهة الشمال فنبعت في أثناء الحفر عين منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى بها للانتفاع بغير الشرب وساق ماءها إلى آبار عميقة محكمة البناء ووصل بينها بقنوات محكمة يسير فيها الفارس فيجري الماء من بئر إلى بئر ثم يخرج ما يفضل منه إلى جهة المغرب، ثم حفر الناس بعد ذلك آبارا أخر منها موصول بتلك الآبار ومنها غير موصول ولذلك كانت بعضها آبارا شرعية وبعضها حكم مائها حكم الماء الجاري. والسراديب التي لها شبابيك إلى تلك الآبار يأتي إليها الهواء البارد في الصيف لاتصال بعضها ببعض، وقد شاهد عمارة عضد الدولة ابن بطوطة في رحلته وكانت سنة 727 فقال: