يقال أزلي وذكر بعض أهل العلم ان أصل هذه الكلمة قولهم للقديم لم يزل ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار فقالوا يزلي ثم أبدلت الياء ألفا لأنها أخف فقالوا أزلي كما يقال في الرمح المنسوب إلى دي يزن أزني ونصل إثربي أي منسوب إلى يثرب وكيف كان فقد اعترف صاحب القاموس بوجود أزل وأزلي في كلام العرب اما انه مأخوذ ومولد من لم يزل كما حكي عن بعض أهل العلم أو مرتجل فامر لا يقدح في وجوده في كلام العرب ولا يوجب الشك في نهج البلاغة إذا وجد فيه إلا ممن يريد ان يتشبث بما لا تشبث فيه.
وكقوله في خطبة خلق السماء والأرض لشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فان هذا التعبير لم تعرفه العرب قبل ان يوضع علم الكلام في العصر العباسي. وهذا أيضا كالأمور السابقة فان العبارات لا حجر فيها على أحد وإذا وافقت كلمة من كلمات نهج البلاغة تعبير أهل الكلام فليس لأحد ان يقدح في صحة نسبة نهج البلاغة إلى علي بكونها موافقة لاصطلاح علماء الكلام إلا أن يريد ان يتعنت ويتعسف ولعل أهل علم الكلام أخذوا هذه العبارة من كلام علي فبعد أن تكون ألفاظها عربية فصيحة شائعة في استعمال العرب فلا حجر على أحد في استعمالها ولا استبعاد في وجودها في نهج البلاغة ومن أين لنا ان نقول إن هذا التعبير لم تعرفه العرب وهو عربي فصيح ومفرداته شائعة في كلام العرب كثيرة الدوران على ألسنتهم.
ومنها وجود كلمات مخالفة لقواعد اللغة والفصيح المشهور منها مثل كلمة معلول في قوله وكل خوف محقق الا خوف الله فإنه معلول وقوله وكل قائم في سواه معلول ولم ترد هذه الكلمة في كلام صحيح إذ يقال على يعل بالبناء للفاعل فهو عليل واعله الله فهو معل. ولكن صاحب الصحاح نص على صحة استعمال على بالبناء للمفعول فهو معلول فقال وعلى الشئ فهو معلول اما صاحب القاموس فإنه قال عل يعل واعتل واعله الله تعالى فهو معل وعليل ولا تقل معلول والمتكلمون يقولونها ولست منه على ثلج. وفي تاج العروس استعمل أبو إسحاق لفظ المعلول في العروض وقال في شرح قوله ولست منه على ثلج لأن المعروف انما هو اعله الله فهو معل إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول. فقد ظهر ان لفظ معلول عربي نص عليه صاحب الصحاح وكفى به إماما في علم اللغة وكون الفيروزبادي ليس منه على ثقة لا يوجب عدم صحته مع كون صاحب الصحاح منه على ثقة والقياس يقتضيه باقتضائه جواز ان يقال على بالبناء للمعقول كحم وجن وكفى دليلا وجوده في كلام علي فبدلا ان يستدل بهذه اللفظة على عدم صحة نهج البلاغة لورودها فيه يجب ان يستدل على صحتها بوجودها في نهج البلاغة.
ومنها استعمال التقى به والعرب تقول التقى الرجلان. وإذا كانت العرب تقول التقى الرجلان فما ذا يقول الرجل إذا أراد ان يخبر انه التقى مع رجل آخر هل له عبارة الا أن يقول التقيت به والتضمين في كلام العرب شائع فلا مانع من أن يضمن التقى معنى اجتمع فيقال التقى به كما يقال اجتمع به وعدم نص أهل اللغة على ذلك لا يجعله غير صحيح فكم فات أهل اللغة من الاستعمالات الصحيحة العربية ونرى العرب يقولون علمته وعلمت به فيعدون علم بالباء مع أنه متعد بنفسه.
ومنها وجود كلمات مولدة مثل تلاشت في قوله وما تلاشت عنه بروق الغمام وكلمة تلاشى مولدة لم ترد في كلام صحيح للمتقدمين.
وكون كلمة تلاشى مولدة عن لا شئ لا يمنع من استعمالها في كلام المتقدمين من فصحاء العرب وعدم العثور عليها في كلامهم لا يوجب انتفاءها فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
ومنها وجود الغيرية والابعاض وهما بكلام المناطقة والمتكلمين أشبه. فاما الغيرية فهي نسبة إلى غير والنسب قياسية واما الابعاض فهي جمع بعض بنص الجوهري والفيروز آبادي ودخول الألف واللام عليها لا مانع منه حتى لو سلمنا عدم جواز دخولها على مفردها كما يقوله بعضهم مع أنه غير مسلم فدخولها على الجمع لا مانع منه لأنه نكرة ووجودها في كلام المناطقة والمتكلمين لا يمنع من وجودها في الكلام العربي الفصيح ولعل المناطقة والمتكلمين انما اخذوها من كلام العرب الفصيح.
ومنها وجود مبالغة في الوصف كقوله في وصف النملة لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر، وفي وصف الطاووس: فكيف تصل إلى هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول أو ننتظم وصفه أقوال الواصفين وأقل اجزائه قد أعجز الأوهام ان تدركه والألسنة ان تصفه، وهذا بأسلوب أهل الخيال من الشعراء والكتاب أشبه منه بأسلوب العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على قدرة الخالق وابداع صنعته. والمبالغة قد جاءت في القرآن الكريم في قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور سورة النور آية 39 وقوله تعالى أ لم تر ان الله يزجي سحابا إلى قوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد إلى قوله يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار سورة النور آية 43 وقوله تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت يكاد البرق يخطف أبصارهم سورة البقرة آية 33 والمبالغة المعتدلة هي من أقسام البلاغة فلا مانع من وجودها في أقوال العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على اي شئ كان.
ومنها ان فيه ما ينافي زهده في الدنيا كتلهفه على الخلافة مما تضمنته الخطبة الشقشقية والجواب ان ذلك لا ينافي الزهد بوجه من الوجوه وإذا كان يرى أن الخلافة حق له وفرض ديني واجب عليه فلا جرم ان يتألم ويتلهف من منعه إياه.
ومنها بعض الجمل المشتملة على اللعن أو الذم كقوله لابن عباس لا تلقين طلحة فإنك ان تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه وقوله للأشعث بن قيس عليك لعنة اللاعنين حائك ابن حائك ومنافق ابن كافر وكقوله للمغيرة بن الأخنس يا ابن اللعين الأبتر وقوله من كتاب إلى عمرو بن العاص فطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام وكقوله من كتاب إلى عثمان بن حنيف وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس. والجواب ان تعبيره عن طلحة بذلك يراد به الشدة ولم يكن هذا التعبير يعد فحشا في ذلك العصر على أنه إذا ذم من نكث عهده وخرج لحربه ولو استطاع قتله لقتله لم يكن في ذلك استغراب. واما الأشعث فقد كان منافقا وعدوا لأمير المؤمنين وكان يفسد عليه أموره فلا غرو ان قال له ذلك. وكذلك المغيرة بن الأخنس واجهه بكلام ولا يواجه به مثله من قوله انا أكفيك. وكتابه إلى عمرو بن العاص هو دون ما يستحق وكذلك كتابه إلى عثمان بن حنيف هو دون ما يستحقه من قيل فيه ذلك.