الاسلام فيها، وإنما كان التشيع في بعض بلدانها كقم وبعض بلاد خراسان، والأكثرية الساحقة كانت للسنيين، وأهل أصفهان كانوا متعصبين في التسنن قبل عصر الصفوية، وفي عهد البويهيين حوالي القرن الرابع كان للتشيع انتشار في بلاد فارس ولكن الأكثرية لغيره، وفي عهد الملوك الصفوية كثر التشيع في بلاد فارس في بعض أقطارها ومع ذلك كان لا يزال فيها من السنيين عدد غير قليل. أما الأقطار الأخرى كبلاد الأفغان وبخارى وبلخ وما وراء النهر وغيرها فجل أهلها على التسنن ويندر فيها التشيع وكلهم فرس، ولم يعلم أن الشيعة في مجموع هذه البلاد هم أكثر من السنيين إن لم يكونوا أقل، فبأن أن الوحدانية المذكورة لم تستحل إلى مذهب الشيعة في بلاد فارس كما زعم حتى يكون سبب استحالتها دخول شعوب غير عربية في الاسلام، وإن أهل فارس لم يزل كثير منهم سنيين من عهد الفتح الاسلامي إلى اليوم.
ومواقع الخلل فيما ذكره صاحب التعليق أيضا من وجوه:
أولا أن أول فرصة شقاق وقعت في الاسلام هي حرب الجمل والذين نصروا عليا وشيعته فيها هم من العرب لا من الفرس ولم يكن أكثر العرب ضد علي وشيعته فيها كما زعم بل الأمر بالعكس. ثانيا إن الذين لعبوا الدور العظيم ووسعوا نطاق الفتنة بين العرب من طريق الدين هم الذين أظهروا الطلب بدم الخليفة الثالث وهم من العرب الصميمين لا من الفرس، وأين كان الفرس من هذه الفتن.
فحصل من ذلك حرب الجمل وصفين وما بعدهما من الحروب وضربوا الاسلام بسيفه وحاربوه تحت رايته وتسنم بعضهم بذلك عرش الخلافة وقبض على زمام الأمر والنهي على المسلمين واتسعت بذلك شقة الخلاف بين المسلمين من العرب وغيرهم، ولم يسمع في جميع هذه الأدوار أن الفرس نصروا الشيعة الذين هم الأقلية، فمتى هو هذا الزمان الذي يدعي صاحب التعليق أن الفرس نصروا الشيعة فيه ليوقعوا الفتنة وينتقموا من الاسلام.
نعم الحق الذي لا محيد عنه أن الذين انتهزوا أول فرصة شقاق وقعت في الاسلام ولعبوا دورا عظيما في توسيع الفتنة بين المسلمين من طريق الدين هم الذين قتلت آباؤهم وأبناؤهم وذوو قراباتهم يوم بدر وغيرها ودخلوا في الاسلام كارهين وعليه حاقدين وللانتقام منه متحفزين فشفوا أحنتهم ممن قام الاسلام بسيفه بدون أن يقاوموا نفس الاسلام الذي رأوا برهانه أسطع من أن يكابر بل قاوموا مؤسسيه ومن لهم المكانة السامية فيه.
هذه هي الحقيقة الملموسة لا ما يزخرفه المزخرفون ويموهه المعاندون.
ثالثا استشهاده على ذلك بان الفارسي يكره العرب ويحتقر كل شئ لهم إلا الدين، فيه إنه إن صح كره الفارسي للعرب فهو ليس مستندا إلى إرادة الانتقام من الاسلام للمجوسية كما زعم بل إلى الغرائز والطبائع الموروثة في كره الشعوب بعضها لبعض ولذلك ترى هذا الكره بين الترك والعرب أكثر منه بين الفرس والعرب أو مثله، لا ينكر ذلك إلا مكابر، كما نراه بين الفرس والترك أيضا بل بين أهل بلادين وإن كانوا كلهم عربا، وبين القبائل العربية بعضها مع بعض. وقوله يحتقر كل شئ لهم إلا الدين اعتراف منه أن هذا الاحتقار إن صح هو للعصبية الجنسية لا للدين ومعناه أنه يحتقرهم لأنهم من غير جنسية لا لأنهم مسلمون.
والحاصل أن القول بان الفرس نصروا التشيع للانتقام من الاسلام للمجوسية من السخافة بمكان فإنه حين فتح بلاد الفرس ودخول أهلها في الاسلام لم يكن للمسلمين اسم مذهبين تسنن وتشيع كما مر وفي عصر بني أمية وبني العباس وبعدهم إلى أول القرن العاشر كان الغالب على بلاد الفرس التسنن وكل أهلها مسلمون مخلصون للاسلام فمتى كان هذا الزمان الموهوم الذي نصر فيه الفرس التشيع انتقاما لمجوسيتهم.
رابعا إن استشهاده ببيت مهيار على كره الفارسي للعرب واحتقاره كل شئ لهم إلا الدين لا شاهد فيه، فمهيار لما كان فارسيا وآباؤه ملوك الفرس افتخر بهم ولم يفضلهم على العرب ولم يحتقر العرب ولم يقل أنا أكره العرب، وليس هو عربيا حتى يفتخر بالعرب، وإذا لم يفتخر بآبائه الفرس فبما ذا يفتخر، وحاصل مراده أنه يفتخر بدين العرب وهو الاسلام وبالانتساب إلى الفرس، وهذا لا مساس له باحتقار العرب وكراهتهم.
خامسا حصره العصبية للاجناس بالفرس ليس بصحيح، فالأنصار والمهاجرون ظهرت فيهم العصبية حتى قال سيد الأنصار من الخزرج: منا أمير ومنكم أمير وظهرت العصبية بين الأنصار أنفسهم فسارعت الأوس وفيهم أسيد بن حضير إلى بيعة أبي بكر يوم السقيفة حسدا للخزرج، ذكره الطبري بمعناه. وظهرت في العرب عصبية المضرية واليمانية وفي قريش عصبية الهاشمية والأموية وهم بنو أعمام مع أن العصبية لم تختص بالفرس على العرب بل كانت من الطرفين.
أما قول الصاحب ما رأيت رجلا يفضل الفرس الخ... فلا مساس له بالموضوع.
ومن ذلك يعلم فساد قوله: لما رسخت قدم الاسلام في الفرس عشقوا التشيع عشقا كان أعظم عوامله كره العرب، فإنك قد عرفت أنه لما رسخت قدم الاسلام في الفرس كان الغالب على أهله التسنن وقد عشقوه عشقا ولم يعشقوا التشيع حتى يترتب على ذلك أن أعظم عوامله كره العرب.
سادسا قوله كاد الإنسان يراهم شيعة قبل كل شئ واستشهاده على ذلك بقول رنان كأنه قرآن، من الوهن بمكان فهم مسلمون أولا قبل كل شئ، وشيعة ثانيا، وكيف لا يكونون كذلك عامتهم وخاصتهم، وعقيدتهم التي يدينون الله بها ويعلمونها أولادهم ويرددونها في وقت ذكرهم هي: رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ص نبيا وبالقرآن كتابا وبالكعبة قبلة وبعلي إماما. وكيف لا يكونون كذلك والتشيع فرع على الاسلام والفرع لا يزيد عن أصله ولا يتقدم عليه.
نعم هم راسخو العقيدة في التشيع وولاء أهل البيت ع ثابتو القدم فيه عن بصيرة وهدى وبيان وحجة وبرهان. وقول المعلق أن هذا إنما يصدق على عامتهم لا يخرج عن المبالغة فلم تكن لتعتقد عامتهم إلا ما يلقنها إياه خاصتهم وهو الشهادة لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة أولا ولأوليائه بالولاية ثانيا.
البحث الخامس كثر التحامل على أهل البيت علي أمير المؤمنين وزوجته البضعة الزهراء سيدة النساء وولديهما السبطين الحسن والحسين ريحانتي رسول الله ص وذريتهم الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.