- وما تمنيت فقد أعطيت * ان تفعلي فعلهما هديت - ثم نزل فاتاه ابن عم له بعرق من لحم أي عظم عليه لحم فقال شد بهذا صلبك فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا وألقاه من يده وتقدم فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد فانحاز بالناس ورجع فلقيهم المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا فرارون فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص بل هم الكرارون وكان الرجل يجئ إلى أهل بيته يدق عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له حتى أن نفرا منهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج واحد منهم صاحوا به. وعن كتاب المحاسن أن رسول الله ص لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس زوجة جعفر فقال لها أين بني فدعت بهم وهم ثلاثة عبد الله وعون ومحمد فمسح رسول الله ص رؤوسهم فقالت انك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام فعجب من عقلها فقال يا أسماء أ لم تعلمي أن جعفرا استشهد فبكت فقال لها لا تبكي فان الله اخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقالت يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله ص من عقلها ثم قال ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما فجرت به السنة.
غزوة فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وهي التي توطد أمر الاسلام بها وتمهد الدين بما من الله سبحانه على نبيه ص فيها وكان الوعد بها قد تقدم في قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. وقوله عز وجل قبلها بمدة طويلة: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون. وكانت الأعين إليها ممتدة والرقاب متطاولة. وكان السبب فيها أنه كان قد خرج في الجاهلية رجل تاجر يقال له مالك بن عباد من بني الحضرمي حليف لبني بكر بن عبد مناة بن كنانة فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه واخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة على ثلاثة من أشراف بني بكر فقتلوهم وذلك قبل الاسلام ثم حجز بينهم الاسلام وتشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله ص و قريش دخلت خزاعة في عقد رسول الله ص ودخلت بنو بكر في عقد قريش كما مر فاغتنمت بنو بكر الهدنة فكلم جماعة منهم أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح ليأخذوا بثار الثلاثة الذين قتلتهم خزاعة من بني بكر فأجابوهم ووافوهم بالوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة متنكرين متنقبين فيهم صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فاجتمعوا ليلا هم وبنو بكر وبيتوا خزاعة وهم على الوتير فقتلوا منهم عشرين رجلا وذلك في شعبان، وندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله ص يوم الحديبية فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ثم الكعبي في أربعين راكبا من خزاعة حتى قدم على رسول الله ص المدينة فوقف عليه وهو جالس في المسجد وأنشأ يقول من أبيات:
- لأهم اني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيك الأتلدا - - ان قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا - - هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا - وكان بين خزاعة وعبد المطلب حلف قبل الاسلام وذلك قوله:
حلف أبينا وأبيك الأتلدا ولا باس بذكر صورة الحلف بين عبد المطلب وخزاعة فإنه من الآثار العربية القديمة التي تتطلع النفوس إلى معرفتها:
صورة كتاب الحلف الذي كتبه عبد المطلب بن هاشم لخزاعة باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى أبدا اليد واحدة والنصر واحد ما أشرق ثبير وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة.
صورة محالفة أخرى بين عبد المطلب وخزاعة باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ والأصاغر على الأصاغر والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر بمكة إنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا وأن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى به حميلا اه.
فقام ص يجر رداءه وهو يقول: لا نصرت إن لم انصر خزاعة مما انصر منه نفسي. ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله ص المدينة فاخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش عليهم ثم انصرفوا إلى مكة وبعثت قريش أبا سفيان ليجدد العقد ويزيد في المدة فلقي بديلا وأصحابه في الطريق فقال له أبو سفيان من أين أقبلت؟ وقد ظن أنه أتى النبي ص، قال سرت في خزاعة في هذا الوادي قال ما أتيت محمدا؟
قال لا، فلما راح بديل عمد أبو سفيان إلى مبرك ناقته ففت البعر فرأى فيه النوى فقال احلف بالله لقد جاء بديل محمدا، وكان رسول الله ص قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة، وجاء أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة زوجة النبي ص فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ص طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أ رغبت بي عنه أم رغبت به عني؟ قالت بل هو فراش رسول الله ص وأنت رجس مشرك، قال لقد أصابك يا بنية بعدي شر، ثم أتى رسول الله ص فقال اني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد لنا العهد وامدد لنا في المدة، قال هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله فقال ص نحن على مدتنا وصلحنا فأعاد أبو سفيان القول فلم يردد عليه شيئا ثم قال لأبي بكر أن يكلم له رسول الله ص فقال ما انا بفاعل ثم أتى عمر فكان أشد ثم دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة وعندها ابنها الحسن غلام يدب بين يديها، فقال يا علي انك أمس القوم بي رحما وقد جئت في حاجة فلا ارجعن كما جئت خائبا، اشفع لنا عند محمد فقال لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فقال لفاطمة: يا بنت محمد هل لك أن تامري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر، قالت ما بلغ ببني أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد، قال يا أبا الحسن اني ارى الأمور قد اشتدت انسدت خ ل علي فانصحي، قال ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال أ وترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال لا أظن