وقال ابن سعد: كان السبي منهم من من عليه رسول الله ص بغير فداء ومنهم من افتدى وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها وفي رواية أنه ص لما تزوج جويرية قال المسلمون في بني المصطلق أصهار رسول الله فاعتقوا ما بأيديهم. ووقع في هذه الغزاة عدة أمور غريبة منها أنه تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده فنادى سنان يا للأنصار ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه واصطلحوا فقال عبد الله بن أبي وكان منافقا وهو من الأنصار من الخزرج: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم وفي رواية أنه قال ما هؤلاء إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك، وسمع ذلك زيد بن أرقم فابلغ النبي ص قوله فامر بالرحيل ليشتغل الناس به عن ذلك، فتقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس وكان خالص الايمان لم يكن كأبيه ووقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ورسول الله ص العزيز فمر به رسول الله ص فقال دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا. وفيه نزلت يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وفي رواية أنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله ص يستغفر لك فلوى رأسه فنزلت وإذا قيل لهم تعالوا الآية. وفيها كان حديث الإفك وقول أهل الإفك في عائشة، وغاب رسول الله ص ثمانية وعشرين يوما وقدم المدينة لهلال شهر رمضان.
غزوة الخندق وتسمى أيضا غزوة الأحزاب في ذي القعدة وقيل في شوال سنة خمس من مهاجره ص قال المؤرخون: لما أجلي رسول الله ص بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله ص فقال لهم أبو سفيان: مرحبا وأهلا أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد، وقالت لهم قريش: أنتم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا بل دينكم وذلك قوله تعالى أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا الآية.
وعاهدوهم على قتاله ص ووعدوهم لذلك موعدا ثم أتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وكان لهم حمل لواء قريش في الجاهلية عند الحرب دون غيرهم ومنهم بنو شيبة سدنة الكعبة وأبوه كان صاحب لوائهم يوم أحد فقتل، وقادوا ثلاثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا وقائدهم أبو سفيان ابن حرب بن أمية. ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقودهم صلحة بن خويلد وخرجت فزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن وخرجت أشجع أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وبنو مرة أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف وغيرهم. فكان جميع من ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله ص فأخبر الناس وندبهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق وقال إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فاعجب ذلك المسلمين فقطعه رسول الله ص أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاحتف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي كل يقول منا، فقال رسول الله ص: سلمان منا أهل البيت، وجعلوا يعملون في الخندق مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل رسول الله ص معهم بيده تنشيطا لهم ووكل بكل جانب قوما وفرغوا من حفرة في ستة أيام وقيل أكثر: وكان رسول الله ص يقول وهم يحفرون:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة فيجيبونه قائلين:
- نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا - ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام، ولما فرع رسول الله ص من الخندق أقبلت قريش فنزلت بمجتمع الأسيال، ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله ص يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف وعسكر بهم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة في شمالها وجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان اليهود كما مر ثلاثة بطون معاهدين له ص فنقض بطنان منهم العهد: بنو قينقاع وبنو النضير وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن أخطب إلى بني قريظة لينقضوا العهد ويكونوا معهم، فخرج حيي حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم فاغلق كعب باب الحصن دونه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه ويحك يا كعب افتح لي قال إنك أمرؤ مشئوم وقد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال ما أغلقت باب الحصن إلا خوفا على طعامك أن آكل منه فاحفظه ففتح له، فقال: جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شئ فدعني وما أنا عليه فاني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء، فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن ادخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده ومحا الكتاب الذي فيه العهد وقبل شقه فبلغ ذلك رسول الله ص فأرسل جماعة يأتونه بالخبر وأوصاهم إن كان ما بلغه حقا لحنوا له ولم يصرحوا وإن كانوا على الوفاء أخبروه جهارا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فعادوا إلى رسول