جواره يدعونهم للاسلام فأرسل معه سبعين راكبا فقتلهم عامر بن الطفيل ببئر معونة استصرخ عليهم القبائل ونجا منهم عمرو بن أمية الضمري أطلقه بعد ما جز ناصيته فخرج عمرو ونزل معه رجلان من بني عامر في ظل شجرة وكان معهما عقد وجوار من رسول الله ص لم يعلم به عمرو فلما ناما قتلهما بمن قتله بنو عامر عند بئر معونة فلما بلغ ذلك رسول الله ص عزم على أن يديهما فانطلق إلى بني النضير يستلفهم في ديتهما ومعه نفر من أصحابه فقالوا نعم يا أبا القاسم وجلس إلى جانب جدار من بيوتهم وتأمروا على قتله فقالوا من يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة يقتله بها ويريحنا منه ونهاهم سلام بن مشكم وقال ليخبرن بما هممتم به وأنه نقض للعهد فلم يقبلوا فانتدب لذلك رجل وصعد ليلقي الصخرة فجاءه ص الوحي بذلك فنهض سريعا كأنه يريد حاجة فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا أ قمت ولم نشعر قال همت يهود بالغدر وأخبرني الله بذلك فقمت، وأرسل إليهم محمد بن مسلمة فقال اذهب إلى يهود فقل لهم اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فقالوا نتحمل فأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول لا تفعلوا فان معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم فطمع حيي بن أخطب سيد بني النضير في ذلك ونهاه سلام بن مشكم أحد رؤسائهم وقال أن ابن أبي يريد أن يورطكم في الهلكة ويجلس في بيته ألا تراه وعد بني قينقاع مثل ما وعدكم وهم حلفاؤه فلم يف لهم فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأوس؟
فلم يقبل حيي وأرسل إلى رسول الله ص إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فكبر ص وكبر المسلمون وقال حاربت يهود وتجهز لحربهم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكان أعمى فلذلك كان كثيرا ما يستخلفه على المدينة لأنه لا يقدر على القتال ويقال انه كان يستخلفه على الصلاة فقط بناء على عدم جواز قضاء الأعمى ولم يثبت، واعطى رايته علي بن أبي طالب ع واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان وذلك قوله تعالى أ لم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا ابدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون وقوله كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين وسار ص بالناس حتى نزل بهم فصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة. قال صاحب السيرة الحلبية وأمر بلالا فضرب القبة وهي من خشب عليها مسوح وكان رجل من يهود اسمه عزور أو غزول وكان أعسر راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فامر بها فحولت. وفقد علي قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس غزول كمن له على حين خرج يطلب غرة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان معه فأرسل رسول الله ص مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فادركوهم وقتلوهم وذكر بعضهم أن أولئك الجماعة كانوا عشرة وانهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وقال وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث ادعى ان عليا هو القاتل لأولئك العشرة اه ونقول لم يدع أحد من الشيعة أن عليا هو القاتل لهم وما الذي يدعوهم إلى دعوى غير صحيحة وتفوق علي ع في الشجاعة أمر متواتر وفوق المتواتر فلا يحتاج من يريد اثباته إلى الكذب وإنما يحتاج إلى الكذب من يدعي شجاعة لمن لم يؤثر عنه أنه قتل أحدا في حرب من الحروب، ثم ألا يكفي في بلوع علي أعلى درجات الشجاعة خروجه ليلا وحده لا يشعر به أحد لمقابلة عشرة من الشجعان أقدموا هذا الاقدام وقتله رئيسهم وإحضاره رأسه وهزيمته التسعة واقدامه ثانيا مع عدة عليهم حتى قتلوهم وجاءوا برؤوسهم ولولا مكانه ما اجترؤوا عليهم أ فلا يكفي هذا كله حتى يدعي أحد الشيعة أنه قتل العشرة وحده مع أن شيخ الشيعة وقدوتها محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد ذكر في ارشاده نحوا مما ذكره صاحب السيرة الحلبية ولم يقل أن عليا قتل العشرة فقال: لما توجه رسول الله ص إلى بني النضير عمل على حصارهم فضرب قبته في أقصى بني حطمة من البطحاء فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة فامر ص أن تحول قبته إلى السفح وأحاط بها المهاجرون والأنصار فلما اختلط الظلام فقدوا عليا ع فقال الناس يا رسول الله لا نرى عليا فقال أراه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث ان جاء برأس اليهودي الذي رمي النبي ص ويقال له عزور فطرحه بين يدي النبي ص فقال كيف صنعت فقال اني رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا فكمنت له وقلت ما أحراه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منا غرة فاقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود فشددت عليه فقتلته وافلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فاني أرجو أن أظفر بهم فبعث معه عشرة فيهم أبو دجانة سماك بن حرشة وسهل بن حنيف فادركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم وجاءوا برؤوسهم إلى النبي ص فامر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير اه (1).
وفي ذلك يقول الحاج هاشم الكعبي شاعر أهل البيت:
- وشللت عشرا فاقتنصت رئيسهم * وتركت تسعا للفرار عبيدا - وحاصرهم ص خمسة عشر يوما وقيل أكثر وكان سعد بن عبادة في تلك المدة يبعث التمر إلى المسلمين. وقطع ص نخلهم وحرق لهم نخلا بالبويرة فنادوه يا محمد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل وتحريقها فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله وليخزي الفاسقين. واللينة واحدة اللين وهو نوع من النخل ويروى أن جميع ما قطع وحرق من النخل ست نخلات، وقذف الله في قلوبهم الرعب فقالوا نخرج عن بلادك، فقال لا اقبله اليوم ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل من أموالكم إلا الحلقة أي آلة الحرب فنزلوا على ذلك فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدم الرجل بيته عما استحسن من باب ونجاف وغيرهما لئلا ينتفع بها المسلمون وكان المسلمون أيضا يخربون مما يليهم وذلك قوله تعالى: هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر أي خروجا مؤبدا ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين