إليك وسلم على من سبك وانصف من خاصمك واعف عمن ظلمك كما إنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار وإن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك فان الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية.
وما ينبغي لأحد أن يطمع بعمل الفجار في منازل الأبرار. يا ابن جندب قال الله عز وجل في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي يدعوني فألبيه ويسألني فاعطيه.
منتخب من وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول المذكورة في تحف العقول أبا ابن النعمان إياك والمراء فإنه يحبط عملك وإياك والجدال فإنه يوبقك وإياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله. ان من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد والا قال ما انا لما أروم باهل انما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الأذى أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون انما أبغضكم إلي المترئسون المشاؤون بالنمائم الحسدة لاخوانهم ليسوا مني ولا انا منهم ثم قال والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا ثم حسد مؤمنا لكان الذهب مما يكوي به في النار. يا ابن النعمان من سئل عن علم فقال لا أدري فقد ناصف العلم والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه الحقد.
يا ابن النعمان إذا أردت ان يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه ولا تمارينه ولا تناهينه ولا تشارنه ولا تطلع صديقك من سرك الا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك فان الصديق قد يكون عدوا يوما.
يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن:
سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الامام، فاما السنة من الله جل وعز فهو ان يكون كتوما للاسرار يقول الله جل ذكره عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، وأما التي من رسول الله ص فهي ان يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية، وأما التي من الامام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج.
يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان ولا بكثرة الهذيان ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة.
يا ابن النعمان من كظم غيظا فينا لا يقدر على امضائه كان معنا في السنام الاعلى.
وصيته لعنوان البصري ذكر الشهيد الثاني في منية المريد نقلا عن حديث عنوان البصري الطويل وذكر السيد محمد بن محمد بن الحسن الحسيني العاملي العيناثي المعروف بابن قاسم في كتاب الاثني عشرية في المواعظ العددية ان هذا الحديث من روايات أهل السنة عن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا أتى عليه أربع وستون سنة قال: كنت اختلف إلى مالك بن انس في طلب للعلم فلما قدم جعفر بن محمد الصادق المدينة (1) أحببت ان آخذ عنه كما أخذت عن مالك فقال لي يوما اني رجل مطلوب (2) ولي أوراد في كل ساعة قم عني لا تشغلني عن وردي ورح إلى مالك فاغتممت من ذلك وقلت لو تفرس في خيرا لما فعل ذلك فدخلت مسجد النبي ص وسلمت عليه وصليت ركعتين في الروضة ودعوت الله ان يعطف علي قلب جعفر بن محمد ويرزقني من علمه ما اهتدي به إلى الصراط المستقيم ولم اختلف إلى مالك لما أشرب قلبي من حب جعفر ثم قصدت باب جعفر واستأذنت فخرج خادم فقال ما حاجتك قلت السلام على الشريف قال هو في الصلاة فجلست فما لبثت الا يسيرا إذ خرج خادم آخر فقال ادخل على بركة الله فدخلت وسلمت فرد علي السلام وقال اجلس غفر الله لك فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال أبو من؟ قلت أبو عبد الله قال ثبت الله كنيتك ووفقك لكل خير، فقلت في نفسي لو لم يكن من زيارته الا هذا الدعاء لكان كثيرا ثم قال ما مسألتك؟ قلت سالت الله ان يعطف علي قلبك ويرزقني من علمك وارجو ان الله أجابني في الشريف ما سألته فقال: يا أبا عبد الله ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يضعه الله في قلب من يريد أن يهديه فإذا أردت العلم فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك، فقلت ما حقيقة العبودية؟ قال ثلاثة أشياء: ان لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا لان العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال الله يضعونه حيث امرهم الله ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا وجملة اشتغاله فيما امره الله به ونهاه عنه فإذا لم ير العبد فيما خوله الله ملكا هان عليه الإنفاق فيما امره الله وإذا فوض تدبير نفسه إلى مدبره هانت عليه مصائب الدنيا وإذا اشتغل بما امره به ونهاه عنه لا يتفرع إلى المراء والمباهاة مع الناس فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا والمسيس بالخلق فلا يطلب الدنيا تفاخرا وتكاثرا ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا ولا يدع أيامه باطلة فهذا أول درجة المتقين قال الله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. قلت يا أبا عبد الله أوصني قال: أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريد الطريق إلى الله تعالى والله أسال ان يوفقك لاستعمالها، ثلاثة منها في رياضة النفس وثلاثة منها في الحلم وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها. قال عنوان ففرغت قلبي فقال: اما اللواتي في الرياضة فإياك ان تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث الحمق والبله ولا تأكل الا عند الجوع فإذا أكلت فكل حلالا وسم الله تعالى واذكر حديث النبي ص ما ملأ الآدمي وعاء أشد شرا من بطنه.
واما اللواتي في الحلم فمن قال لك ان قلت واحدة سمعت عشرا فقل ان قلت عشرا لم تسمع واحدة ومن شتمك فقل له ان كنت صادقا فيما تقوله فاسال الله ان يغفر لي وان كنت كاذبا فاسال الله ان يغفر لك ومن وعدك بالخيانة فعده بالنصيحة والدعاء. واما اللواتي في العلم فاسال العلماء ما جهلت وإياك ان تسألهم تعنتا وتجربة وإياك ان تعدل بذلك شيئا وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا فرارك من الأسد والذئب ولا تجعل رقبتك جسرا للناس ثم قال له يا شريف فقال قل يا أبا عبد الله ثم قال له قم يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد علي وردي فاني رجل ضنين بنفسي اه.