- اما زياد فقد صحت مناسبه * عندي فلا ابتغي في الحق بهتانا - - من يسد خيرا يصبه حين يفعله * أو يسد شرا يصبه حيثما كانا - وقال في ذلك عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان:
- الا أبلغ معاوية بن حرب * لقد ضاقت بما تأتي اليدان - - أ تغضب ان يقال أبوك عف * وترضى ان يقال أبوك زاني - - فاشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان - - وأشهد انها حملت زيادا * وصخر من سمية غير داني - فبلغ ذلك معاوية فغضب على عبد الرحمن وقال لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه فاتاه فانشده من أبيات:
- إليك أبا المغيرة تبت مما * جرى بالشام من خطل اللسان - - عرفت الحق بعد ضلال رأيي * وبعد الغي من زيغ الجنان - - زياد من أبي سفيان غصن * تهادى ناظرا بين الجنان - - وان زيادة في آل حرب * أحب إلي من وسطى بناني - - الا أبلغ معاوية بن حرب * لقد ظفرت بما تأتي اليدان - فقال معاوية لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله وان زيادة في آل حرب.
وقال يزيد بن مفرع الحميري في زياد:
- شهدت بان أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع - - ولكن كان أمر فيه لبس * على حذر شديد وارتياع - وقال أيضا:
- ان زيادا ونافعا وأبا بكرة * عندي من أعجب العجب - - هم رجال رجال ثلاثة خلقوا * في رحم أنثى وكلهم لأب - - ذا قرشي كما تقول وذا * مولى وهذا ابن عمه عربي - وقال أيضا:
- فكر ففي ذاك ان فكرت معتبر * هل نلت مكرمة الا بتأمير - - عاشت سمية ما عاشت وما علمت * ان ابنها من قريش في الجماهير - وكما استلحق معاوية زيادا استلحق زياد عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين ع فقد قال الحسين ع فيه ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة والذلة، وروى ابن ابن الكلبي ان عبادا استلحقه زياد كما استلحق معاوية زيادا كلاهما لدعوة. قال: لما أذن لزياد في الحج فبينا هو يتجهز وأصحاب القرب يعرضون عليه قربهم إذ تقدم عباد وكان خرازا فقال له زياد: من أنت؟ قال ابنك! وقعت على أمي فلانة فولدتني وكانت أمة لبني قيس بن ثعلبة فانا مملوك لهم، فقال صدقت اني لأعرف ما تقول، فبعث فاشتراه واستلحقه، وولي معاوية عبادا سجستان بعد موت زياد وولى عبيد الله البصرة، وفيهما يقول يزيد بن المفرع الحميري:
- أ عباد ما للؤم عنك محول * ولا لك أم من قريش ولا أب - - فقل لعبيد الله ما لك والد * بحق ولا يدري امرؤ كيف تنسب - واستاذن زياد معاوية في الحج فاذن له فبلغ ذلك أبا بكرة أخاه وأمهما جميعا سمية وكان قد حلف ان لا يكلمه لما لجلج في الشهادة على المغيرة بن شعبة في الزنا أيام عمر فجلد أبا بكرة وباقي الشهود، فلما استلحقه معاوية زاد غيظ أبي بكرة منه فلما بلغه انه يريد الحج جاء إليه وجعل يكلم ولدا له فقال يا غلام ان أباك ركب في الاسلام عظيما زنى امه وانتفى من أبيه ثم يريد أن يركب ما هو أعظم يوافي الموسم غدا ويوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي من أمهات المؤمنين فان أذنت له فاعظم بها فرية على رسول الله ص وان منعته فاعظم بها فضيحة على أبيك فامتنع زياد عن الحج، ذكره الجاحظ، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن زيادا حج مع معاوية فأراد الدخول على أم حبيبة فذكر قول أبي بكرة فلم يفعل وقيل إنها حجبته ولم تأذن له، وقيل حج ولم يزر المدينة من أجل ذلك.
قال ابن أبي الحديد قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه الا واحدة منهن لكانت موبقة: انتزؤاه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها امرها واستلحاقه زيادا مراغمة لقول رسول الله ص الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي، فيا ويله من حجر وأصحاب حجر. وقال أيضا: روى الشرقي بن القطامي قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب ع فلما قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه فاتى الحسن بن علي ع مستجيرا به فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله ونقض داره فكتب الحسن بن علي ع إلى زياد: اما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وحبست أهله وعياله فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وشفعني فيه فقد أجرته والسلام.
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة وأنا سلطان وأنت سوقة تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك على سوء الرأي وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك غير رفيق بك ولا مرع عليك فان أحب لحم إلي أن آكله اللحم الذي أنت منه فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك والسلام.
فلما ورد الكتاب على الحسن ع قرأه وتبسم، وكتب جواب كتاب زياد كلمتين لا ثالثة لهما: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية أما بعد فان رسول الله ص قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر والسلام.
وحكى ابن أبي الحديد في ترجمة الحسن ع عن المدائني أن زيادا طلب رجلا من أصحاب الحسن ع ممن كان في كتاب الأمان فكتب فيه الحسن: من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا وقد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب أن لا تعرض له إلا بخير والسلام. فغضب زياد حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه:
من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن وذكر نحوا مما مر في خبر سعيد بن سرح، فالظاهر أنها واقعة واحدة ويحتمل التعدد، وكيف كان فيظهر أن الحسن ع لم ينسبه في قصة ابن سرح إلى أبي سفيان فلذلك غضب ونسب الحين ع إلى أمه. وهذا ثمرة ما فعلته الأمة إلى أهل البيت ع فغصبتهم حقهم ودفعتهم عن مقامهم ولم ترع فيهم وصية جدهم ص وحكمت فيهم الطلقاء وأبناء الطلقاء والأدعياء وأبناء الأدعياء حتى أصبح نغل سمية يخاطب الحسن ع بهذا الخطاب ويتكلم في أمير المؤمنين ع بهذا الكلام:
- لا أضحك الله سن الدهر ان ضحكت * وآل أحمد مظلومون قد قهروا -