المفيد: واما ابن ملجم فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه واخذ السيف من يده وجاء به أمير المؤمنين ع وافلت الثالث وانسل بين الناس، وفي رواية الطبري وابن الأثير أن الذي قتل وردان والذي أفلت شبيب. قال ابن الأثير: وقدم علي ع جعدة بن هبيرة ابن أخته أم هانئ يصلي بالناس الغداة قال الشيخ في الأمالي وخرج الحسن والحسين ع واخذا ابن ملجم وأوثقاه، واحتمل أمير المؤمنين ع فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر إليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا ثم عرق ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال رأيت رسول الله ص يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات، قال ابن الأثير: وادخل ابن ملجم على أمير المؤمنين وهو مكتوف فقال اي عدو الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا؟ قال شحذته أربعين صباحا وسالت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي لا أراك الا مقتولا به ولا أراك الا من شر خلق الله ثم قال النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن الا قاتلي، انظر يا حسن إذا انا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثلن بالرجل فاني سمعت رسول الله ص يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، قال المفيد: فقال ابن ملجم والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف فان خانني فأبعده الله، ونادته أم كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين قال انما قتلت أباك، قالت يا عدو الله اني لأرجو أن لا يكون عليه باس، قال لها فأراك انما تبكين علي إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم. فاخرج من بين يديه وان الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ما فعلت أهلكت أمة محمد وقتلت خير الناس وأنه لصامت لا ينطق فذهب به إلى الحبس وجاء الناس إلى أمير المؤمنين فقالوا مرنا بامرك في عدو الله والله لقد أهلك الأمة وأفسد الملة فقال لهم إن عشت رأيت فيه رأيي وإن هلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم احرقوه بعد ذلك بالنار. قال الطبري: وفي قتل علي يقول ابن أبي مياس المرادي ونسبها الحاكم في المستدرك إلى الفرزدق:
- ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم - - ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المصمم - - فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم - قال الطبري: واما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة قعد لمعاوية فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع في اليته فاخذ فقال إن عندي خبرا أسرك به فان أخبرتك فنافعي ذلك عندك قال نعم قال إن أخا لي قتل عليا في مثل هذه الليلة قال لعله لم يقدر على ذلك قال بلى إن عليا يخرج ليس معه من يحرسه فامر به معاوية فقتل، وبعث معاوية إلى الساعدي وكان طبيبا فقال اختر اما أن احمي حديدة فأضعها موضع السيف واما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ فان ضربتك مسمومة، قال: اما النار فلا صبر لي عليها واما الولد فان في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه الشربة فبرئ وعالج جرحه حتى التام ولم يولد له بعدها. قال سبط ابن الجوزي: لما بلغ القاضي أبا حازم ذلك قال يا ليت ذلك قبل أن يولد يزيد، وامر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد، قال ابن الأثير: وهو أول من عملها في الاسلام أقول المقصورة بناء أو شبهه يصلي داخله الحامل لقب الخلافة لئلا يغتاله أحد ويصلي الناس خلفه. أول من عمله معاوية واقتدى به من بعده. واما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى بطنه، فامر خارجة بن حذافة صاحب شرطته من بني عامر بن لؤي فخرج ليصلي فشد عليه وهو يرى أنه عمرو فقتله فاخذ إلى عمرو فرآهم يسلمون عليه بالامرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة فقال لعمرو اما والله يا فاسق ما ظننته غيرك قال عمرو أردتني وأراد الله خارجة فقدمه عمرو فقتله وبلغ ذلك معاوية فكتب إلى عمرو:
- وقتك وأسباب المنايا كثيرة * منية شيخ من لؤي بن غالب - - فيا عمرو مهلا انما أنت همه * وصاحبه دون الرجال الأقارب - - نجوت وقد بل المرادي سيفه * من ابن أبي شيخ الأباطح طالب - - ويضربني بالسيف آخر مثله * فكانت علينا تلك ضربة لازب - أقول: وفي ذلك يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة:
- وليتها إذ فدت عمرا بخارجة * فدت عليا بمن شاءت من البشر - وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين وابن عبد البر في الاستيعاب باسناديهما وبين كل منهما بعض التفاوت ونحن نذكر محصل الكلامين: انه جمع لعلي ع أطباء الكوفة يوم جرح فلم يكن اعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني وكان ابصرهم بالطب وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات وقال أبو الفرج كان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم وقال ابن عبد البر وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير فلما نظر إلى الجرح اخذ رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه وادخله في الجرح ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماع فقال يا أمير المؤمنين أعهد عهدك فان عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. قال أبو الفرج الأصبهاني روى أبو مخنف عن أبي الطفيل ان صعصعة بن صوحان استأذن على علي ع وقد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا لقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة.
وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في أماليه بسنده إلى الأصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع غدونا عليه نفر من أصحابنا انا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج إلينا الحسن بن علي ع فقال يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري واشتد البكاء في منزله فبكيت فخرج الحسن فقال أ لم أقل لكم انصرفوا فقلت لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلاي ان انصرف حتى ارى أمير المؤمنين وبكيت فدخل الدار ولم يلبث ان خرج فقال لي ادخل فدخلت على أمير المؤمنين ع فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفر وجهه فما أدري وجهه أشد صفرة أم العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت فقال لي لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة فقلت له جعلت فداك اني اعلم والله انك تصير إلى الجنة وانما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين وروى قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج عن عمرو بن الحمق قال