أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا مت فوالله ما أحب ان أبقى في الدنيا بعدك فواقا وأقسم بالأعز الاجل ان عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنئ ولا مرئ ولا نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (1).
جواب أمير المؤمنين ع لأخيه عقيل فكتب إليه أمير المؤمنين ع: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب سلام عليك فاني احمد إليك الله الذي لا اله الا هو.
اما بعد كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب انه حميد مجيد قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه انك لقيت عبد الله بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب وان ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجا فدع ابن أبي سرح ودع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق الا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم اجماعها على حرب رسول الله ص قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله وبادروه العداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وجروا إليه جيش الأحزاب اللهم فأجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي وظاهرت علي ودفعتني عن حقي وسلبتني سلطان ابن أمي وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الاسلام الا ان يدعي مدع ما لا اعرفه ولا أظن الله يعرفه والحمد لله على كل حال واما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأذل من أن يلم بها أو يدنو منها ولكنه قد كان اقبل في جريدة خيل فاخذ على السماوة حتى مر بواقصة وشراف والقطقطانة مما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن وكان ذلك حين طفلت الشمس للاياب فتناوشوا القتال قليلا فلم يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما اخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا (2) فاما ما سألتني ان اكتب لك برأيي فيما انا فيه فان رأيي جهاد المحلين حتى القى الله لا يزيدني كثرة الناس معي عزة ولا تفرقهم عني وحشة لأنني محق والله مع المحق ووالله لا أكره الموت على الحق وما الخير كله الا بعد الموت لمن كان محقا واما ما عرضت به من سيرك إلي ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فاقم راشدا محمودا فوالله ما أحب ان تهلكوا معي ان هلكت ولا تحسبن ابن أمك لو أسلمه الناس متخشعا ولا متضرعا انه لكما قال أخو بني سليم:
- ان تسأليني كيف أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب - - جهيد على أن لا ترى بي كآبة * فيشمت واش أو يساء حبيب - وحكى ابن الحديد في شرح النهج (3) عن الزبير بن بكار انه روى في كتاب الموفقيات بسنده انه لما حصر عثمان أبرد مروان بريدين إلى الشام واليمن ومع كل منهما كتاب إلى يعلى بن منية باليمن ومعاوية بالشام يستنجد بهما ثم جاء كتاب مروان إلى معاوية بقتل عثمان فكتب معاوية إلى جماعة من بني أمية وغيرهم يحرضهم على الطلب بدم عثمان فكلهم كتبوا إلى معاوية يحرضونه ويقرونه الا سعيد بن العاص فإنه كتب إليه ينهاه عن ذلك.
قال وقد روى في خبر مشهور ان معاوية وبخ سعيد بن العاص على تأخره عنه في صفين فقال سعيد لو دعوتني لوجدتني قريبا ولكن جلست مجلس عقيل وغيره من بني هاشم ولو أوعبنا لأوعبوا اه وقال ابن أبي الحديد (4) فاما عقيل فالصحيح الذي اجتمع ثقات الرواة عليه انه لم يجتمع مع معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع ولكنه لازم المدينة ولم يحضر حرب الجمل وصفين وكان ذلك بإذن أمير المؤمنين ع وقد كتب عقيل إليه بعد الحكمين يستأذنه في القدوم عليه الكوفة بولده وبقية أهله فامره بالمقام اه.
وفي بعض خطب النهج: وعاودني اي عقيل مؤكدا وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن اني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة إلى آخر الكلام.
هذا ما وصل إلينا من اخباره مع أخيه عقيل ويمكننا ان نلخصه في أمور: الأول ان عقيلا كان قد بقي بأولاده في المدينة كما يدل عليه قول سعيد بن العاص ولكن جلست مجلس عقيل الخ وكتاب عقيل إلى أخيه الدال على أن عقيلا كان بالحجاز مع أولاده عند غارة الضحاك التي كانت بعد الحكمين وان أمير المؤمنين امره بالإقامة بأولاده بالحجاز وعدم المجئ إلى العراق كما نص عليه جواب الكتاب. الثاني ان عقيلا لم يذهب إلى معاوية في حياة أمير المؤمنين وانما ذهب بعد موته ويدل على ذلك الكتاب والجواب وكلام سعيد بن العاص فكلام سعيد يدل على أن عقيلا كان عند حرب صفين بالحجاز والكتاب والجواب يدلان على أنه كان بعد الحكمين بمدة بها أيضا وذلك في آخر خلافة أمير المؤمنين. ويمكن ان القائل بذهابه إلى معاوية في حياة أخيه اشتبه عليه ذهابه بعد وفاة أخيه بذهابه في حياته الثالث هل جاء عقيل إلى الكوفة في خلافة أخيه يمكن أن يقال نعم وانه أمر ابنه الحسن ان ينزله عنده وان يشتري له كسوة جديدة ونعلا جديدا ففعل وجاء إليه في غدوة اليوم الثاني في ثيابه ونعله الجدد فأخبره عقيل انه لا يرضى لنفسه ما رضيه اخوه لنفسه من المساواة مع باقي المسلمين في العطاء وانه يريد التميز عنهم فهو أخو الخليفة فيلزم ان يميز عن غيره في العطاء ولكن أمير المؤمنين ع وقد اختط لنفسه خطة العدل والمساواة بين الناس وبدأ في ذلك بنفسه وبولديه أعز الناس عليه فاخذ لنفسه من العطاء ما يأخذه اي شخص من المسلمين واعطى ولديه كذلك ولما جاء إليه اخوه عقيل أكرمه غاية جهده فجعله ضيفا عند ولده وكساه كسوة جديدة ولما طلب الزيادة عن الناس في العطاء قال يخرج عطائي فادفعه إليك وهذا غاية ما في وسع أمير المؤمنين أن يفعله وهو غاية الجود والكرم والرأفة والشفقة فأمير المؤمنين لم يكن يدخر مالا ونفقته ونفقة عياله محصورة في عطائه فجاد به على عقيل وهو كل ما يملك ووطن نفسه على أن يبقى بدون نفقة ويستدين على عطائه الثاني فليس من المبالغة في شئ قولنا هذا غاية الجود والشفقة ولكن عقيلا لم يرضه ذلك ولم يقنعه وكرر المطالبة وألح وألحف وعاود أخاه مؤكدا وكرر عليه القول مردا ولزمه لزوم الأعمى غريمه حتى أحرجه ولم يجد منه مخرجا الا احماء الحديدة وادناءها من جسمه ليعتبر بها، وكان صرفه واقناعه منحصرا في ذلك ومنه يعلم أن أمير المؤمنين ع لم يقصر في اكرام أخيه عقيل وبره بغاية ما تتسع له ذات يده ويساعد عليه دينه وعدله وان ما فعله مع عقيل الذي يريد حمله بإلحاح والحاف على ما لا يمكن ان يفعله من احماء الحديدة ليس فيه شئ