وخطب علي ع الناس يومئذ بصفين فقال في آخر خطبته:
وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربكم ويعمل بسنة نبيكم ص فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ولم يسبقني بصلاتي مع رسول الله ص أحد وانا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق والله انكم لعلى حق وانهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه وتتفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم. فاجابه أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدونا وعدوك إذا شئت فوالله ما نريد بك بدلا نموت معك ونحيا معك فقال لهم والذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله ص اضرب قدامه بسيفي فقال:
- لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا علي - وقال يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وموتك وحياتك يا علي معي والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي وما نسيت ما عهد إلي واني لعلى بينة من ربي واني لعلى الطريق الواضح القطه لقطا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حيث طلعت الشمس حتى غاب الشفق وما كانت صلاة القوم الا تكبيرا فعل كريب بن الصباح وقتله وبرز رجل من حمير من آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالباس منه ثم نادى من يبارز فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن الجلاح فقتله ثم نادى من يبارز فبرز إليه عايذ بن مسروق الهمداني فقتل عايذا ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا واعتداء ثم نادى هل بقي من مبارز فبدر إليه علي ع ثم ناداه ويحك يا كريب اني أحذرك وأدعوك إلى سنة الله وسنة رسوله ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار فكان جوابه ان قال ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها أقدم إذا شئت من يشتري سيفي وهذا اثره فقال علي ع لا حول ولا قوة الا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله ان ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم نادى من يبارز فبرز إليه المطاع بن المطلب العبسي فقتل مطاعا ثم نادى من يبارز فلم يبرز إليه أحد ثم إن عليا ع نادى يا معشر المسلمين الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع الصابرين. ويحك يا معاوية هلم فبارزني ولا يقتلن الناس فيما بيننا فقال عمرو اغتنمه منتهزا فقد قتل ثلاثة من ابطال العرب واني أطمع ان يظفرك الله به فقال معاوية ويحك يا عمرو والله ان تريد الا ان اقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع.
وقام عمر بن العاص قبل الوقعة العظمى منحنيا على قوس يحرض أصحابه وقال في آخر خطبته انا نحتسب عند الله ما أصبح في أمة محمد ص من اشتعال نيرانها واضطراب حبلها ووقوع بأسها بينها فانا لله وانا إليه راجعون أ ولا تعلمون ان صلاتنا وصلاتهم وصيامنا وصيامهم وحجنا وحجهم وقبلتنا وقبلتهم وديننا ودينهم واحد ولكن الأهواء متشتتة اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها واحفظ فيها نبيها مع أن القوم قد وطئوا بلادكم وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم ثم جلس.
وقام عبد الله بن العباس خطيبا فقال في آخر خطبته: حتى كان فيما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من امرها ان ابن آكلة الأكباد وقد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وصهره وأول من ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله ص كل مشاهده التي فيها الفضل ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام لقد قاتل علي مع رسول الله ص وعلي يقول صدق الله ورسوله ومعاوية وأبو سفيان يقولان كذب الله ورسوله فما معاوية في هذه بأبر ولا اتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في تلكم والله انكم لعلى الحق وان القوم لعلى الباطل فلا يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
وقام عمار بن ياسر فقال في جملة كلامه: امضوا عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم عثمان والله ما أظنهم يطلبون دمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا لو أن الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يرغبون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بان قالوا قتل امامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان.
قتال عمار بصفين ثم مضى عمار ومضى معه أصحابه فلما دنا من عمرو بن العاص قال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك وطالما بغيت الاسلام عوجا ثم حمل عمار وهو يقول:
- صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربي وكان جليلا - - رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا - - مقبلا غير مدبر ان للقتال * على كل ميتة تفضيلا - - انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا - - من شراب الأبرار خالطه السمك * وكأسا مزاجها زنجبيلا - ثم قال اللهم انك لتعلم أني لو أعلم ان رضاك ان اقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم انك تعلم اني لو اعلم أن رضاك ان أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحي عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت ولو اعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين لفعلته. ونادى عمار بن ياسر يومئذ أين من يبغي رضوان به ولا يؤوب إلى مال ولا ولد فاتته عصابة من الناس فقال يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان.
مقتل هاشم المرقال ودفع علي ع الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عليه درعان فقال له علي كهيئة المازح يا هاشم أ ما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين والله لألفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة وفي رواية أنه قال له يا هاشم حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء فاخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه ولما دفع علي الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم أقدم هاشم يكررها ثم قال ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك أ عورا وجبنا؟! قال من هذا قالوا فلان قال أهلها وخير منها