وظهر العتاب بين عتبة والقوم حتى أغلظ لهم وأغلظوا له، ثم ما أمسوا حتى اصطلحوا وأرضاهم معاوية من نفسه ووصلهم بأموال جليلة وبعث إلى أخيه عتبة ما أنت صانع في جعدة قال ألقاه اليوم وأقاتله غدا وكان لجعدة في قريش شرف عظيم وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى علي فغدا عليه عتبة فنادى يا جعدة يا جعدة فاستأذن عليا في الخروج إليه فاذن له فاجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة يا جعدة إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين وإنا والله ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به فاعفوا لنا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرف إلا وهو أجد من معاوية في القتال وما بالعراق من له مثل جد علي في القتال ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبك وما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا افنى العرب فقال جعدة: أما حبي لخالي فوالله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك وأما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره والجهاد أحب إلي من العمل وأما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه وأما رضاك اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس وأما قولك أنه ليس بالشام من رجل إلا وهو أجد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جد علي فهكذا ينبغي أن يكون مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل وأما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي فوالله لا نسأله إن سكت ولا نرد عليه إن قال وأما قتل العرب فان الله كتب القتال فمن قتله الحق فإلى الله. فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه واعرض عنه وانصرفا جميعا مغضبين وجمع عتبة خيله فلم يستبق منها وجل أصحابه السكون والأزد والصدف وتهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا وباشر جعدة القتال بنفسه وجزع عتبة فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له فضحك جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها أبدا قال عتبة. لا والله لا أعود إلى مثلها أبدا وقد أعذرت وما كان على أصحابي من عتب ولكن الله أبى أن يديلنا منهم فما أصنع، فحظي بها جعدة عند علي، وقال النجاشي أبياتا يذكر فيها ذلك وقال الشني مثلها وذكرناهما في ترجمة جعدة. قال نصر: وأظهر علي ع أنه مصبح غدا معاوية ومناجزه فبلغ ذلك معاوية وفزع أهل الشام لذلك وانكسروا لقوله وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية وكان مبغضا لمعاوية وكان يكتب بالاخبار إلى عبد الله بن الطفيل العامري ويبعث بها إلى علي فبعث إلى عبد الله بن الطفيل إني قائل شعرا أذعر به أهل الشام وأذعر به معاوية وكان معاوية لا يتهمه وكان له فضل ونجدة ولسان فقال ليلا ليسمع أصحابه من أبيات:
- ألا ليت هذا الليل أصبح سرمدا * علينا وأنا لا نرى بعده غد - - حذار علي أنه غير مخلف * مدى الدهر ما لبى الملبون موعدا - - كأني به في الناس كاشف رأسه * على ظهر خوار الرحالة اجردا - - يخوض غمار الموت في مرجحنة * ينادون في نقع العجاج محمدا - - فوارس بدر والنضير وخيبر * واحد يروون الصفيح المهندا - - ويوم حنين جاهدوا عن نبيهم * فريقا من الأحزاب حتى تبددا - - هنالك لا تلوي عجوز على ابنها * وإن أكثرت في القول نفسي لك الفدا - - فقل لابن حرب ما الذي أنت صانع * أ تثبت أم ندعوك في الحرب قعددا - - فلا رأي إلا تركنا الشام جهرة * وإن أبرق الفجفاج فيها وارعدا - فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية فهم بقتله ثم راقب فيه قومه وطرده عن الشام فلحق بمصر وقال معاوية والله لقول السلمي أشد على أهل الشام من لقاء علي وقال الأشتر حين قال علي انني مناجز القوم إذا أصبحت:
- قد دنا الفصل في الصباح وللسلم * رجال وللحروب رجال - - فرجال الحروب كل خدب * مقحم لا تهده الأهوال - - يضرب الفارس المدجج بالسيف * إذا قل في الوغى الاكفال - - يا ابن هند شد الحيازيم للموت * ولا تذهبن بك الآمال - - إن في الصبح إن بقيت لأمراء * تتنادى من هوله الأبطال - - فيه عز العراق أو ظفر الشام * باهل العراق والزلزال - - فاصبرن للطعان بالأسل السم * ر وضرب تجري به الأمثال - - إن تكونوا قتلتم النفر النبيض * وغالت أولئك الآجال - - فلنا مثلهم وإن عظم الخطب * قليل أمثالهم ابدال - - يخضبون الوشيج طعنا إذا جرر * للموت بينهم أذيال - - طلبوا الفوز في المعاد وفي ذا * تستهان النفوس والأموال - فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال شعر منكر من شاعر منكر رأس أهل العراق وعظيمهم ومسعر حربهم وأول الفتنة وآخرها.
كتاب معاوية إلى علي يسأله الشام وجواب علي له وقال معاوية رأيت أن أكتب إلى علي كتابا أساله الشام والقي في نفسه الشك والرقة فضحك عمرو بن العاص وقال أين أنت يا معاوية من خدعة علي فقال أ لسنا بني عبد مناف قال بلى ولكن لهم النبوة دونك وإن شئت أن تكتب فاكتب فكتب إليه:
أما بعد فاني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ونصلح به ما بقي وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فاني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو ولا أخاف من الموت إلا ما تخاف وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز ولا يسترق به حر والسلام. فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي قرأه ثم قال العجب لمعاوية وكتابه ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال اكتب: أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض فانا وإياك منها في غاية لم تبلغها وإني لو قتلت في ذات الله وحييت ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله وأما قولك انه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى فاني ما نقصت عقلي ولا ندمت على فعلي فاما طلبك الشام فاني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة وأما قولك أنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل فلعمري أنا بنو أب واحد ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كابي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا المحق كالمبطل وفي أيدينا فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز وأعززنا بها الذليل والسلام. فلما أتى معاوية كتاب علي كتمه عن عمرو بن العاص أياما ثم دعاه فاقرأه الكتاب فشمت به عمرو ولم يكن أحد من