وروى نصر عن أبي سليمان الحضرمي وكان حضر صفين مع علي ع إن الفيلقين التقيا بصفين واضطربوا بالسيوف ليس معهم غيرها إلى نصف الليل. وعن زياد بن النضر وكان على مقدمة علي ع قال شهدت مع علي بصفين فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح ونفدت السهام ثم صارت إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا وقد قاتلت يومئذ بجميع السلاح فلم يبق شئ من السلاح الا قاتلت به حتى تحاثينا بالتراب وتكادمنا حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع واحد من الفريقين أن ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصفو وغلب علي ع على القتلى واقبل على أصحاب محمد وأصحابه فدفنهم وقد قتل كثير منهم وقتل من أصحاب معاوية أكثر وقال عمرو بن العاص:
- إذا تخازرت وما بي من خزر * ثم خبأت العين من غير عوو - - ألفيتني ألوي بعيد المستمر * ذا صولة في المصمئلات الكبر - - احمل ما حملت من خير وشر * كالحية الصماء في أصل الصخر - وقال محمد بن عمرو بن العاص:
- لو شهدت جمل مقامي وموقفي * بصفين يوما شاب منها الذوائب - - غداة غدا أهل العراق كأنهم * من البحر موج لجه متراكب - - وجئناهم نمشي صفوفا كأننا * سحاب خريف صفقته الجنائب - - فطار إلينا بالرماح كمأتهم * وطرنا إليهم والسيوف قواضب - - فدارت رحانا واستدارت رحاهم * سراة النهار ما تولى المناكب - - إذا انا قلت استهزموا برزت لنا * كتائب حمر وارجحنت كتائب - - فقالوا نرى من رأينا ان تبايعوا * عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا - - فابنا وقد نالوا سراة رجالنا * وليس لما لاقوا سوى الله حاسب - - كان تلالي البيض فينا وفيهم * تلألؤ برق في تهامة ثاقب - فرد عليه محمد بن الحنفية:
- لو شهدت جمل مقامك أبصرت * مقام لئيم وسطته الكتائب - - أ تذكر يوما لم يكن لك فخره * وقد ظهرت فيها عليك الجلائب - - وأعطيتمونا ما نقمتم أذلة * على غير تقوى الله والدين واصب - وجاء علقمة بن تميم الأنصاري إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين إن عمرو بن العاص ينادي:
- انا الغلام القرشي المؤتمن * الماجد الأبلج ليث كالشطن - - يرضى بي الشام إلى ارض عدن * يا قادة الكوفة من أهل الفتن - - يا أيها الاشراف من أهل اليمن * أضربكم ولا ارى أبا حسن - - أعني عليا وابن عم المؤتمن * كفى بهذا حزنا من الحزن - فضحك علي ثم قال اما والله لقد حاد عدي الله عني وإنه لبمكاني عالم كما قال العربي غير لوهي ترقعين وأنت مبصرة (1) ويحكم أروني مكانه لله أبوكم وخلاكم ذم وحمل غلامان من الأنصار جميعا اخوان حتى انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده وأقبلت الكتائب بعضها نحو بعض فاقتتلت قياما في الركب لا يسمع السامع الا وقع السيوف على البيض والدرق وقال عمرو بن العاص:
- أ جئتم إلينا تسفكون دماءنا * وما رمتم وعر من الأمر أعسر - - تعاورتم ضربا بكل مهند * إذا شد وردان تقدم قنبر - وردان عبده وقنبر غلام أمير المؤمنين ع. وجاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ما يطأ الا على انسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين أ لا نقوم حتى نموت فقال علي ع ادن فدنا حتى وضع أذنه عند انفه فقال ويحك إن عامة من معي يعصيني وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه وقال عدي بن حاتم يوم صفين:
- أقول لما إن رأيت المعمعة * واجتمع الجندان وسط البلقعة - - هذا علي والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه - - فإنه يخشاك رب فارفعه * ومن أراد غيه فضعضعه - قال علي وا نفساه أ يطاع معاوية واعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها الا هذه الأمة ثم أن عليا ع أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام فقوضت صفوفهم فقال عمرو يومئذ على من هذا الرهج الساطع قيل على ابنيك عبد الله ومحمد قال يا وردان قدم لواءك فتقدم فأرسل إليه معاوية ان ليس على ابنيك باس فلا تنقض الصف والزم موقفك فقال عمرو هيهات هيهات:
- الليث يحمي شبليه * ما خيره بعد ابنيه - فتقدم فلقي الناس وهو يحمل فأدركه رسول معاوية فقال إنه ليس على ابنيك باس فلا تحملن فقال له عمرو قل له انك لم تلدهما انا ولدتهما وبلغ مقدم الصفوف فقال له الناس مكانك إنه ليس على ابنيك باس انهما في مكان حريز فقال اسمعوني أصواتهما حتى اعلم أ حيان هما أم قتيلان ونادى يا وردان قدم لواءك قدر قيس قوسي ولك فلانة جارية له فتقدم بلوائه فأرسل علي إلى أهل الكوفة أن احملوا وإلى أهل البصرة أن احملوا فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا فخرج رجل من أهل الشام فقال من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ثم إن العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها فقاتل ولم يسقط إلى الأرض ثم ضرب يده فقطعها فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام وقال دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم فأخذوه فاشتراه معاوية من أولياء المقتول بعشرة آلاف واقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى كثير من الناس الا ايماء. وكان رجل من أصحاب علي ع يدعى هاني بن نمر الحضرمي فخرج رجل من أهل الشام يطلب المبارزة فلم يخرج إليه أحد فقال سبحان الله ما يمنعكم أن يخرج رجل منكم إلى هذا فلو لا أني موعوك وإني أجد لذلك ضعفا لخرجت إليه فما رد عليه أحد فوثب فقال أصحابه سبحان الله تخرج وأنت موعوك قال والله لأخرجن إليه ولو قتلني فخرج وإذا هو رجل من قومه حضرموت وبينهما قرابة من قبل النساء فقال له يا هاني ارجع فإنه أن يخرج إلي غيرك أحب إلي اني لست أريد قتلك قال له هاني ما خرجت الا وانا موطن نفسي على القتل ما أبالي أنت قتلتني أو غيرك ثم مشى نحوه فقال اللهم في سبيلك وسبيل رسولك ونصرة لابن عم نبيك ثم اختلفا ضربتين فقتله هاني وشد أصحابه نحوه وشد أصحاب هاني نحوه ثم