فرد الخيل فاستحيا عبيد الله فبرز امام الخيل وكان فارسا فحمل عليه الأشتر فطعنه واشتد الامر وانصرف القوم وللأشتر الفضل فغم ذلك معاوية. وغدا عبد الرحمن بن خالد في اليوم الخامس كان أرجاهم عند معاوية ان ينال حاجته فقواه بالخيل والسلاح وكان معاوية يعده ولدا فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة فبرز عبد الرحمن امام الخيل وهو يقول:
- قل لعدي ذهب الوعيد * انا ابن سيف الله لا مزيد - - وخالد يزينه الوليد * فما لنا ولا لكم محيد - - عن يومنا ويومكم فعودوا - ثم حمل فطعن الناس وقصده عدي بن حاتم وهو يقول:
- أرجو إلهي وأخاف ذنبي * وليس شئ مثل عفو ربي - - يا ابن الوليد بغضكم في قلبي * كالهضب بل فوق قنان الهضب - فلما كاد ان يخالطه بالرمح توارى عبد الرحمن في العجاج واستتر باسنة أصحابه واختلط القوم ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا وانكسر معاوية وشمت بذلك أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي وكان انسك رجل من أهل الشام وأشعره وكان في ناحية معتزلا وقال في ذلك أبياتا ذكرناها في ترجمته. وأظهر معاوية لعمرو شماتة وقال لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس في همدان وفررتم وانك يا عمرو لجبان فغضب عمرو ثم قال والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية فهلا برزت إلى علي إذ دعاك ان كنت شجاعا كما تزعم وقال هذه الأبيات:
- تسير إلى ابن ذي يزن سعيد * وتترك في العجاجة من دعاكا - - فهل لك في أبي حسن علي * لعل الله يمكن من قفاكا - - دعاك إلى النزال فلم تجبه * ولو نازلته تربت يداكا - - وكنت اصم إذ ناداك عنها * وكان سكوته عنها مناكا - - فأب الكبش قد طحنت رحاه * بنجدته ولم تطحن رحاكا - - فما أنصفت صحبك يا ابن هند * أ تفرقه وتغضب من كفاكا - - فلا والله ما أضمرت خيرا * ولا أظهرت لي إلا هواكا - - واستحيا القرشيون مما صنعوا وشمت بهم اليمانية فقال معاوية يا معشر قريش والله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح ولكن الأمر لأمر الله إنما لقيتم كباش أهل العراق وقتلتم وقتل منكم وما لكم علي من حجة لقد عبات تعبيتي لسيدهم سعيد بن قيس فانقطعوا عن معاوية أياما فقال معاوية في ذلك:
- لعمري لقد أنصفت والنصف عادة * وعاين طعنا في العجاج المعاين - - أ تدرون من لاقيتم فل جيشكم * لقيتم ليوثا أصحرتها العرائن - - لقيتم صناديد العراق ومن بهم * إذا جاشت الهيجاء تحمى الظعائن - - وما كان منكم فارس * دون فارس ولكنه ما قدر الله كائن - فاتوه فاعتذروا إليه مقتل عبيد الله بن عمر وتضعضعت أركان حمير بعد مقتل ذي الكلاع وثبتت مع عبيد الله بن عمر. وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال إن لي إليك حاجة فالقني فلقيه فقال إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئوه فهل لك أن تخلعه ونوليك هذا الأمر قال كلا والله لا يكون ذلك ثم قال له الحسن لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك أما ان الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا. قال نصر وبلغنا أن عبيد الله بن عمر بعثه معاوية في أربعة آلاف وهي كتيبته الرقطاء ويقال لهم الخضرية لأن ثيابهم خضر أو لأنهم اعلموا بالخضرة بعثهم ليأتوا عليا من ورائه فبلغ عليا ذلك فبعث إليهم اعدادهم ليس منهم إلا تميمي واقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة ثم أن ميسرة أهل العراق كشفت ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل والتقى عبيد الله هو وكرب رجل من عكل فقتل كربا وقتل الذين معه جميعا وإنما انكشف الناس لذلك فكشف أهل الشام أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل وتبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم ليس حوله إلا ألف رجل فاقتلعوه وركزوه من وراء موضعه الأول وأحاط به ووجد أهل العراق لواءهم مركوزا وليس حوله إلا ربيعة وعلي بينهم وهم محيطون به وهو لا يعلم من هم ويظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن علي حين طلع الفجر قال:
- يا مرحبا بالقائلين عدلا * وبالصلاة مرحبا وأهلا - فلما صلى علي الفجر أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس وإذا مكانه الذي هو به ما بين الميسرة والقلب بالأمس، فقال من القوم؟ قالوا ربيعة وقد بت فيهم البارحة، فقال: فخر طويل لك يا ربيعة، ثم قال لهاشم خذ اللواء فوالله ما رأيت مثل هذه الليل ثم خرج نحو القلب حتى ركز اللواء به وإذا سعيد بن قيس على مركزه فلحقه رجل من ربيعة يقال له نغير فقال له أ لست الزاعم إن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة ومضر مضر فما أغنت عنك مضر البارحة فنظر إليه علي نظر منكر فلما أصبحوا نهدوا للقتال غير ربيعة لم تتحرك فبعث إليهم علي أن انهدوا إلى عدوكم فأبوا فبعث إليهم ثانيا قالوا كيف ننهد وهذه الخيل من وراء ظهرنا قل لأمير المؤمنين فليأمر همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد فبعث إليهم الأشتر وكان جهير الصوت فقال يا معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا وأنتم أصحاب كذا وأصحاب كذا وجعل يعدد أيامهم قالوا ما نفعل حتى ننظر هذه الخيل التي خلف ظهورنا وهي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين فليبعث إليهم من يكفيه أمرهم فقال لهم الأشتر فان أمير المؤمنين يقول لكم اكفونيها أنتم لو بعثتم إليها طائفة منكم لتركوكم وفروا كالعصافير فوجهت ربيعة إليهم تيم اللات والنمر بن قاسط وعنزة قالوا فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد وكان عامة قتال صفين مشيا فلما أتيناهم هربوا وانتشروا انتشار الجراد قال الراوي فذكرت قول الأشتر كأنهم اليعافير فرجعنا إلى أصحابنا وقد نشب القتال بينهم وبين أهل الشام وقد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا و أفضينا إلى أصحابنا، قال فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا حتى حجز بيننا سواد الليل وما نرى رجلا منا ولا منهم موليا وحمل عبيد الله بن عمر وهو يقول:
- انا عبيد الله ينميني عمر * خير قريش من مضى ومن غبر - - إلا نبي الله والشخى الأغر * قد أبطأت عن نصر عثمان مضر - - والربعيون فلا اسقوا المطر * وسارع الحي اليمانون الغرر - - والخير في الناس قديما يبتدر -