التكرار. قال المبرد في الكامل: رووا أن عليا لما أوصى إلى الحسن في وقف أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة وهذا غلط لأن وقفه لهذين الموضعين لسنتين من خلافته والوصية كانت عند وفاته حدثنا أبو محلم محمد بن هشام في اسناد ذكره آخره أبو نيزر وكان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم قال وصح عندي أنه من ولد النجاشي فرغب في الاسلام صغيرا فاتى رسول الله ص فأسلم وكان معه في بيوته مؤونته فلما توفي رسول الله ص صار مع فاطمة وولدها ع. وفي معجم البلدان بالاسناد عن محمد بن إسحاق بن يسار أن أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي بن أبي طالب كان ابنا للنجاشي ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون لصلبه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه إليه واعتقه مكافاة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه وذكروا أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وأنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر وهو مع علي ليملكوه عليهم ويتوجوه ولا يختلفوا عليه فابى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من علي بالاسلام ثم قال المبرد قال أبو نيزر جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال هل عندك من طعام فقلت لا أرضاه لأمير المؤمنين قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة (1) فقال علي به فقام إلى الربيع وهو جدول فغسل يده ثم أصاب من ذلك شيئا ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ثم ضم يديه كل واحدة منها إلى أختها وشرب بهما حسا (2) من ماء الربيع ثم قال يا أبا نيزر أن الأكف أنظف الآنية ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه وقال من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثم أخذ المعول وانحدر في العين فجعل يضرب وابطا عليه الماء فخرج وقد تفضح جبينه عرقا فانتكف العرق من جبينه ثم أخذ المعول وعاد إلى العين فاقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور فخرج مسرعا فقال أشهد أنها صدقة، علي بدواة وصحيفة فعجلت بهما إليه فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة لا تباعا ولا توهبا حتى يرثها الله وهو خير الوارثين إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما. قال محمد بن هشام فركب الحسين دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار فابى أن يبيع وقال إنما تصدق بها أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشئ. قال وتحدث الزبيريون أن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة وذكر ما مضمونه أنه كتب إليه أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على ابنه يزيد وأن يرغب له في الصداق فقرأ الكتاب على عبد الله فقال إن خالها الحسين بينبع وليس ممن يفتات عليه بأمر فانظرني إلى أن يقدم وكانت أمها زينب بنت علي بن أبي طالب ص فلما قدم الحسين ذكر له ذلك عبد الله فدخل إلى الجارية فقال يا بنية ان ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر أحق بك ولعلك ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتك البغيبغات فلما حضر القوم للاملاك تكلم مروان فذكر معاوية وما قصده من صلة الرحم وجمع الكلمة فتكلم الحسين فزوجها من القاسم فقال مروان أ غدرا يا حسين فقال أنت بدأت خطب أبو محمد الحسن بن علي ع عائشة بنت عثمان بن عفان واجتمعنا لذلك فزوجتها من عبد الله بن الزبير فقال مروان ما كان ذلك فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب فقال أنشدك الله أ كان ذلك قال اللهم نعم. قال فلم تزل هذه الضيعة في يد بني عبد الله بن جعفر من ناحية أم كلثوم يتوارثونها حتى ملك المأمون فذكر ذلك له فقال كلا هذا وقف علي بن أبي طالب ص فانتزعها من أيديهم وعوضهم عنها وردها إلى ما كانت عليه. وفي مناقب ابن شهرآشوب ما مختصره عن عبد الملك بن عمير والحاكم والعباس قالوا خطب الحسن عائشة بنت عثمان فقال مروان أزوجها عبد الله بن الزبير فلما قبض الحسن ومضت أيام من وفاته كتب معاوية إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد فأخبر مروان عبد الله بذلك فقال إن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد فلما اجتمع الناس في المسجد أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين وقال إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب أم كلثوم لابنه يزيد وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ وأن الحسين قال له لعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ص في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما ثم ذكر حوار دار بينهما ثم قال أن الحسين قال اشهدوا إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة أو قال أرضي بالعقيق وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار الحديث. وفي الإصابة أبو نيزر بكسر أوله وسكون المثناة التحتية وفتح الزاي بعدها راء ذكره الذهبي مستدركا وقال يقال إنه من ولد النجاشي جاء وأسلم وكان مع النبي ص في مؤونته ثم قال في جملة ما حكاه عن كامل المبرد انه كان يقوم بضيعتي علي اللتين في ينبع (3) تسمى إحداهما البغيبغة والأخرى عين أبي نيزر. وفي معجم البلدان ينبع قال عرام بن الأصبغ السلمي هي لبني حسن بن علي وفيها عيون عذاب غزيرة وقال غيره ينبع حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب يتولاه ولده.
هذا ما وقفنا عليه مما يتعلق بهذا المقام وفيه مواضع ينبغي أن نتكلم عليها:
أولا ان المبرد صرح بان وقف علي ع الضيعتين كان لسنتين من خلافته وخطاب أبي نيزر بقوله طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين وقوله في كتاب الوقف هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين دال على أن ذلك في زمن خلافته وما ذكره من أن وقفه للضيعتين كان لما جاء أبا نيزر وهو يقوم بهما وضرب في العين بالمعول فانثالت كأنها عنق بعير دال على أن ذلك كان وعلي بالحجاز مع أنه بعد أن ذهب إلى العراق واتخذ الكوفة مسكنا لم يذكر أحد أنه رجع إلى الحجاز ومتى كان يمكنه أن يرجع وهو قد ذهب للعراق لحرب أصحاب الجمل وبعد فراغه اشتغل بحرب صفين وبعده بحرب الخوارج ثم استشهد فلم تكن له فرصة لأن يذهب للحجاز وليس هناك أمر مهم يدعوه للذهاب.