الأزدي رأيت عليا أتى السوق وقال من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم فقال رجل عندي فجاء به فأعجبه قال لعله خير من ذلك قال لا ذاك ثمنه فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فامر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه وفي الاستيعاب بسنده عن مجمع التميمي ان عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء ان يشهد له يوم القيامة وفي حلية الأولياء بسنده عن مجمع نحوه وفي الاستيعاب بسنده عن عاصم بن كليب عن أبيه قال قدم على علي مال من أصبهان فقسمه سبعة أسباع ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر فجعل على كل جزء كسرة ثم أقرع بينهم أيهم يعطي أولا. قال واخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب وبسنده عن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب يقول ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان ثم نزل إلى بيت المال ففرق كل ما فيه ثم جعل يقول: - أفلح من كانت له قوصره * يأكل منها كل يوم مره - وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه ان علي بن أبي طالب خطب الناس فقال والله الذي لا اله إلا هو ما رزأت من فيئكم إلا هذه واخرج قارورة من كم قميصه فقال أهداها إلي مولاي دهقان وفي الاستيعاب بسنده عن عنترة الشيباني في حديث: كان علي لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه وكان يقول يا دنيا لا تغريني غري غيري وينشد:
- هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه - قال وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال رأيت علي بن أبي طالب يقول من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي ثمن ازار ما بعته فقام إليه رجل فقال نسلفك ثمن ازار قال عبد الرزاق وكانت بيده الدنيا كلها الا ما كان من الشام وفي حلية الأولياء بعدة أسانيد عن الأرقم وعن يزيد بن محجن وعن أبي رجاء قال الأرقم رأيت عليا وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله ص ولو كان عندي ثمن ازار ما بعته وقال يزيد بن محجن كنت مع علي وهو بالرحبة فدعا بسيف فسله فقال من يشتري سيفي هذا فوالله لو كان عندي ثمن ازار ما بعته وقال أبو رجاء رأيت علي بن أبي طالب خرج بسيفه يبيعه فقال من يشتري مني هذا لو كان عندي ثمن ازار لم أبعه فقلت يا أمير المؤمنين انا أبيعك وأنسؤك إلى العطاء وفي رواية فلما خرج عطاؤه أعطاني وفي أسد الغابة بسنده قال علي بن أبي طالب: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على مخالطة الكلاب وبسنده عن أبي نعيم سمعت سفيان يقول ما بنى علي لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب ثم قال في أسد الغابة: وزهده وعدله لا يمكن استقصاء ذكرهما.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد وبدل الابدال واليه تشد الرحال وتنفض الأحلاس ما شبع من طعام قط وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا قال عبد الله بن أبي رافع دخلت إليه يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فقدم فاكل فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه قال خفت هذين الولدين ان يلتاه بسمن أو زيت وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى ونعلاه من ليف وكان يلبس الكرابيس الغليظ فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض فان ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ولا يأكل اللحم الا قليلا ويقول لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان وكان مع ذلك أشد الناس قوة وأعظمهم ايدا وهو الذي طلق الدنيا وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام فكان يفرقها ويمزقها ثم يقول: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه اه وفي حلية الأولياء بسنده عن علي بن ربيعة الوالبي قال جاءه ابن النباج فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء فقال الله أكبر فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين فقال هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه يا ابن النباج علي بأسباع الكوفة فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ثم امره بنضحه وصلى فيه ركعتين وبسنده عن علي بن أبي طالب انه أتي بفالوذج فوضع بين يديه فقال إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم لكن أكره ان أعود نفسي ما لم تعتده وبسنده عن عدي بن ثابت ان عليا اتى بفالوذج فلم يأكل وبسنده عن عبد الملك بن عمير عن رجل من ثقيف ان عليا استعمله على عكبرا قال فقال إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبيته (1) فقلت في نفسي لقد امنني حتى يخرج إلي جوهرا ولا أدري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسره فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح فصب عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت يا أمير المؤمنين أ تصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك قال اما والله ما أختم عليه بخلا ولكني ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف ان يفنى فيصنع من غيره وأكره أن ادخل بطني الا طيبا وبسنده عن الأعمش كان علي يغدي ويعشي الناس ويأكل هو من شئ يجيئه من المدينة وبسنده عن زيد بن وهب قدم على علي وفد من أهل البصرة فيهم رجل من أهل الخراج (2) يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا في لبوسه فقال علي ما لك وللبوسي ان لبوسي أبعد من الكبر وأجدر ان يقتدي بي المسلم وبسنده عن عمرو بن قيس قيل لعلي يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك قال يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.
العشرون العبادة قال ابن أبي الحديد: اما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يراع لذلك ولا يقوم حتى يفرع من وظيفته وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما تتضمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته والاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت وقيل لعلي بن الحسين ع وكان الغاية في العبادة أين عبادتك من عبادة جدك قال عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله ص.