الجاهلية الراهب لزهده واسمه عبد عمرو وقيل عمرو بن صيفي خرج من المدينة حين دخلها النبي ص في خمسين وقيل في سبعين رجلا من قومه إلى مكة يحرضهم ويعلمهم انهم على حق وما جاء به محمد باطل فسماه رسول الله ص أبا عامر الفاسق فلما سارت قريش إلى بدر لم يسر معها فلما سارت إلى أحد سار معها بالخمسين أو السبعين الذين معه وكان يمني قريشا نصرة قومه فلم يفعلوا وهو والد حنظلة غسيل الملائكة المقتول مع المسلمين بأحد يخرج الحي من الميت.
وخرجت قريش بحدها وجدها وقائدها أبو سفيان بن حرب وكانوا مع من انضم إليهم ثلاثة آلاف رجل معهم مائتا فرس قد جنبوها وثلاثة آلاف بعير وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة امرأة وخرجوا بعدة وسلاح كثير. فساروا حتى اتوا الأبواء الموضع الذي فيه قبر آمنة أم النبي ص فأرادوا نبش قبرها أشارت بذلك هند بنت عتبة فمنع منه ذوو الرأي منهم وقالوا لو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا عند مجيئهم وكانوا حلفاء رسول الله ص.
وساروا حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه وذلك في يوم الخميس لخمس مضين من شوال صبيحة عشر من مخرجهم من مكة فرعوا زروع أهل المدينة يوم الخميس فلما أمسوا جمعوا الإبل وقصلوا عليها وقصلوا على خيولهم ليلة الجمعة فلما أصبحوا يوم الجمعة خلوا ظهرهم وخيلهم في الزرع حتى تركوا العرض ليس به خضراء وبعث رسول الله ص ليلة الخميس عينين له أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظفرين فاعترضا لقريش بالعقيق فسار معهم حتى نزلوا فاتوه بخبرهم وانهم خلوا ابلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء، فلما نزلوا بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم سرا وقال له إذا رجعت فلا تخبرني بين الناس إلا أن ترى فيهم قلة، فذهب حتى دخل بينهم وحزرهم ونظر إلى جميع ما يريد ورجع فأخبره خاليا وقال حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا والخيل مائتي فرس ورأيت دروعا ظاهرة أي فوق الثياب حزرتها سبعمائة، فقال لا تذكر من شأنهم حرفا حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم بك أحول وبك أصول، وباتت وجوه الأوس والخزرج سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ليلة الجمعة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله ص حتى أصبحوا خوفا من تبييت المشركين، وحرست المدينة تلك الليلة فلما كان الصباح صعد النبي ص المنبر وقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما واني أردفت كبشا، وأولتها:
اما الدرع الحصينة فالمدينة واما البقر فناس من أصحابي يقتلون واما الثلم فرجل من أهل بيتي يقتل (1) واما الكبش فكبش الكتيبة يقتله الله (2). فان رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا اعلم بها منهم، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن فكان رأي رسول الله ص ان لا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا فأحب ان يوافق على رأيه فاستشار أصحابه في الخروج فأشار عليه عبد الله بن أبي بن سلول أن لا يخرج فقال يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وان رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. وكان ذلك رأي كبار المهاجرين والأنصار.
وقال رجال غالبهم فتيان احداث لم يشهدوا بدرا وفيهم بعض الشيوخ اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا. وقال أويس بن أوس من بني عبد الأشهل: اني يا رسول الله لا أحب ان ترجع قريش إلى قومها فتقول حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها فتكون هذه جرأة لقريش وقد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا فلم ندرع وقد كنا يا رسول الله في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا فنحن اليوم أحق إذ أمدنا الله بك وعرفنا مصيرنا لا نحصر أنفسنا في بيوتنا.
وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة وكان شيخا كبيرا قتل ابنه سعد ببدر فقال يا رسول الله ان قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا فيحصرونا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا فيجرؤوهم ذلك علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا وتجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن حريمنا وعسى الله ان يظفرنا بهم فتلك عادة الله عندنا أو تكون الأخرى فهي الشهادة لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت عليها حريصا لقد بلغ من حرصي اني ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة إلى آخر كلامه. كل ذلك ورسول الله ص كاره للخروج فلم يزالوا به حتى وافق عليه أقول وذلك لأنه رأى المصلحة في الموافقة لكونه رأي الأكثر وإن كانت المصلحة من جهة أخرى في الإقامة. فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد وأخبرهم إن النصر لهم ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بالشخوص ثم صلى بهم العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي وقد مات رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو من بني النجار فصلى عليه ثم دخل منزله وصف الناس له ينتظرون خروجه فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله ص على الخروج فردوا الامر إليه وخرج رسول الله ص وقد تعمم ولبس لامته وظاهر بين درعين وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه وتقلد السيف وتنكب القوس والقى الترس في ظهره وقد ندم الناس فقالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا فان شئت فاقعد فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل.
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة ودعا بثلاثة رماح وعقد ثلاثة ألوية لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة.
وركب ص فرسه واخذ بيده قناة زجها في شبه وخرج في ألف من أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان فرس لرسول الله ص وفرس لأبي بردة بن نبار والظاهر أنهم خرجوا مشاة هكذا ذكر الطبري وغيره انه كان معهم فرسان ولكنه ذكر بعد ذلك كما يأتي انه أمر الزبير على الخيل ومعه المقداد وبعثه وقال استقبل خالدا فكن بازائه وامر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر وهو صريح في أنه كان معهم عدة خيول. وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة والناس عن يمينه وشماله فلما