ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فبات به وكان في الأسرى النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار (1) فامر النبي ص علي بن أبي طالب فقتله بالأثيل فقالت ابنته وقيل أخته قتيلة ترثيه:
- يا راكبا إن الأثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق - - أبلغ به ميتا فان تحية * ما ان تزال بها الركائب تخفق - - مني إليه وعبرة مسفوحة * جادت لماتحها وأخرى تخنق - - فليسمعن النضر ان ناديته * إن كان يسمع ميت أو ينطق - - ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تشقق - - صبرا يقاد إلى المنية راغما * رسف المقيد وهو عان موثق - - أمحمد ولأنت ضن ء نجيبة * في قومها والفحل فحل معرق - - ما كان ضرك لو مننت وربما * من القتو هو المغيظ المحنق - - والنضر أقرب من أصبت وسيلة (2) * وأحقهم إن كان عتق يعتق - فلما بلغ شعرها النبي ص رق لها وبكى وقال لو بلغني شعرها قبل قتله لعفوت عنه. قال أبو الفرج الأصبهاني: فيقال إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه اه (3) فلما بلغ إلى مكان يسمى عرق الظبية أمر ص علي بن أبي طالب وقيل عاصم بن ثابت بضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس فجعل يقول يا ويلي علا م أقتل من بين من هاهنا؟ فقال رسول الله ص: لعداوتك لله ولرسوله، فقال: يا محمد من للصبية؟ فقال:
النار، قدمه فاضرب عنقه فقدمه فضرب عنقه. واستشار رسول الله ص أصحابه في الأسرى فغلظ عليهم عمر غلظة شديدة، فقال يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك: قدم عمك العباس وأضرب عنقه بيدك وقدم عقيلا إلى أخيه علي يضرب عنقه وقدم كل أسير إلى أقرب الناس إليه يقتله، فكره رسول الله ص ذلك ولم يعجبه كأنه كره تسليم كل أسير إلى الأقرب إليه لما فيه من الجفاء، ورغب المسلمون في فداء الأسارى دون قتلهم ليتقووا بالمال فقبل رسول الله ص الفداء أكثره أربعة الآف درهم وأقله ألف، وأطلق رسول الله ص جماعة بغير فداء فعاتبهم الله تعالى بقوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم. وكان ص نهى في أول الوقعة ان يقتل أحد من بني هاشم، وقال: إني قد عرفت ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها، ونهى ان يقتل العباس بن عبد المطلب وقال إنه خرج مستكرها، ولا يفسر ذلك بمحاباة من النبي ص لبني هاشم فقد بين علة ذلك بأنهم اخرجوا كرها وذلك لأنهم كانوا مسلمين في الباطن ومع ذلك فقد اخذ منهم الفداء ولم يحابهم فيه واخذ من العباس فداء نفسه وابني أخيه وحليفه لأنه كان غنيا وكانوا فقراء، على أن بني هاشم عدى أبي لهب قاموا بنصر رسول الله ص في مكة وحاموا عنه فاستحقوا الجزاء وكذلك اوصى النبي ص بجماعة من المشركين ان لا يقتلوا جزاء لإحسانهم إلى المسلمين بمكة وقيامهم في نقض الصحيفة منهم أبو البختري لكن أبا البختري قاتل فقتل:
وأغضبت وصاية النبي ص ببني هاشم أبا حذيفة بن عتبة وكان مسلما فقال أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله ان لقيته لألجمنه السيف فقال عمر دعني يا رسول الله اضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فلم يصغ رسول الله ص إلى ذلك، فاسر يومئذ العباس وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن المطلب وحليف لبني هاشم اسمه عقبة بن عمرو فلما أمسى القوم والأسارى محبوسون في الوثاق بات رسول الله ص تلك الليلة ساهرا فقال له أصحابه ما لك لا تنام يا رسول الله؟ قال سمعت أنين العباس من وثاقه، فقاموا إليه فاطلقوه فنام رسول الله ص.
ولما قدم بالأسرى إلى المدينة قال رسول الله ص افد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيلا ونوفلا وحليفك عقبة فإنك ذو مال فقال يا رسول الله إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله اعلم باسلامك، وأما ظاهر امرك فقد كان علينا، وقد كان أخذ منه عشرين أوقية من ذهب وجدت معه، فقال يا رسول الله أحسبها من فدائي، قال ذلك شئ أعطانا الله منك، قال إنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل وقلت لها ان أصبت فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولقثم كذا؟ ثم فدى نفسه وابني أخويه وحليفه.
وقدم رسول الله ص زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة أمامه يبشران الناس فجعلوا لا يصدقون وقال المنافقون ما جاء زيد إلا فلا. ثم قدم بالأسرى عليهم شقران ولقي الناس رسول الله ص بالروحاء يهنونه.
وكان في الأسرى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة وامه هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين فسالت خديجة رسول الله ص أن يزوجه ابنته زينب وكان لا يخالفها ففعل وذلك قبل الإسلام فلما أكرم الله رسوله ص بالنبوة آمنت به زينب وسائر بناته وبقي أبو العاص على شركه وكان رسول الله ص قد زوج إحدى بنتيه رقية أو أم كلثوم عتبة بن أبي لهب فقالت قريش قد فرغتم محمدا من همه أخذتم عنه بناته ردوهن عليه واشتغلوه بهن فقالوا لأبي العاص فارق بنت محمد ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش فأبى. فكان رسول الله ص يثني عليه خيرا في صهره، وقالوا مثل ذلك لعتبة ففارقها قبل أن يدخل بها فاخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له وكان الإسلام قد فرق بين زينب وأبي العاص لكن رسول الله ص كان بمكة مغلوبا على امره فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معها فاسر فبعثت زينب في فداء بعلها بمال وكان فيما بعثت به قلادة كانت أمها خديجة أدخلتها بها عليه ليلة زفافها فلما رآها رسول الله ص رق لها رقة شديدة وقال