فمدفوع: بان طارد العدم الكلي لا مطابق له في الخارج، لان كل وجود يطرد عدمه البديل له لا عدمه وعدم غيره، فأول الوجودات أول ناقض للعدم، ونقيضه عدم هذا الأول، ولازم هذا العدم الخاص بقاء سائر الاعدام على حالها، فان عدم الوجود الأول يستلزم عدم الثاني والثالث وهكذا لا انه عينها، فما اشتهر من أن تحقق الطبيعة بتحقق فرد وانتفائها بانتفاء جميع افرادها لا أصل له، حيث لا مقابلة بين الطبيعة الملحوظة على نحو تتحقق بتحقق فرد منها، والطبيعة على نحو تنتفي بانتفاء جميع افرادها... " انتهى (1).
أقول: يمكن أن يدعى ان نظر صاحب الكفاية إلى اختلاف الأمر والنهي في مقام الامتثال بحسب القضية العقلية فيما إذا كان متعلق كل منهما صرف الوجود، فهو يذهب إلى أن الامر إذا تعلق بصرف وجود الطبيعة فيكتفي في امتثاله باتيان فرد واحد لتحقق صرف الوجود به. واما النهي فإنه إذا تعلق بصرف وجود الطبيعة فلا يتحقق امتثاله الا بترك جميع افرادها، إذ المنهي عنه ايجاد أول وجود الطبيعة، وتركه لا يتحقق إلا بترك جميع الافراد، إذ أي فرد يوجد فهو أول وجودها فلا بد من تركه حتى يتحقق امتثال النهي وهذا المعنى اعترف به المحقق الأصفهاني (رحمه الله) في كلامه أخيرا كما لا يخفى على الملاحظ، لكنه ناقشه بان عدم صرف الوجود ملازم لترك جميع الافراد لا انه عينها، وهذه مناقشة لفظية ترجع إلى التخطئة في التعبير لا المدعي من أن امتثال النهي لا يتحقق إلا بترك جميع افرادها بمقتضى حكم العقل، إذ عرفت أن الزجر عن صرف الوجود والنهي عن تحقيقه لا يمتثل الا بترك جميع الافراد، إذ كل فرد يفرض وجوده يكون أول الوجود وينطبق عليه عنوان صرف الوجود وقد عرفت النهي عنه. فما ذكره صاحب الكفاية لا اشكال فيه.