وثانيهما: ما يظهر منه من تفسير عبارة الكفاية، بان العام بعد التخصيص يكون معنونا بكل عنوان غير عنوان الخاص.
ولنا معه في كلا الامرين كلام:
اما الأول: فلان المنظور في الأصل الأزلي أولا وآخرا هو اثبات حكم العام به للمشكوك، وانه يؤدي ثمرة أصالة العموم على القول بالتمسك بها في الشبهة المصداقية ويقلل أثر البحث الطويل العريض فيها، فلا موهم لكون ثمرة الأصل نفي حكم الخاص.
هذا مع أن الدليل المخصص قد لا يكون متكفلا لاثبات أي حكم، بل مفاده ليس إلا نفي حكم العام عن بعض افراده، كما لو قال: " أكرم العلماء " ثم قال: " لا يجب اكرام فساقهم "، ومنه تخصيص دليل نفوذ الشرط بالشرط المخالف للكتاب فان الشرط المخالف لا حكم له، بل هو غير نافذ. أو يكون متكفلا لما هو نقيض حكم العام فينتفي حكمه قهرا بثبوت حكم العام للفرد المشكوك بواسطة الأصل، وذلك كالمثال المشهور في ما نحن فيه وهو مثال الحيض. فان العام يتكفل اثبات الحيض لكل امرأة لغاية الخمسين، والخاص يتكفل تحديده إلى ستين بالنسبة إلى القرشية، فالتنافي بين الدليلين في تحديد الحيض لا في أصل حكمه، إذ لا تنافي بينهما بلحاظه، بل الاختلاف في تحديده بالخمسين - وهو مفاد العام - ونفي تحديده بها - وهو مفاد الخاص -، فمع اجراء الأصل واثبات تحديد الحيض بالخمسين للمرأة المشكوكة ينتفي حكم الخاص قهرا، لان ثبوت أحد النقيضين ملازم قهرا لنفي الاخر.
نعم قد يكون المخصص متكفلا لما هو ضد حكم العام، كما لو قال: " يجب اكرام العلماء " ثم قال: " يحرم اكرام النحويين "، ولكنه نستطيع نفي حكم الخاص بأصل البراءة بلا احتياج للأصل الأزلي.
فقد ظهر انه لا يحتاج في نفي حكم الخاص إلى استصحاب العدم الأزلي