ثبوت الاخر لانتفاء موضوعه لا لتضييق دائرة جعله.
بيان ذلك: ان التنافي في مقام الفعلية والامتثال حيث فرض لاجل التنافي في تحقق موضوع كلا الحكمين، بمعنى ان امتثال أحدهما يستلزم ارتفاع موضوع الاخر، فلا محالة يكون تقديم أحدهما ومتابعته موجبا لنفي الاخر، ولكنه ينتفي لعدم موضوعه من دون ان تتضيق دائرة جعله، وهي جعل الحكم على الموضوع المقدر وجوده.
فمثلا إذا تزاحم وجوبا إنقاذ الغريقين، فان إنقاذ أحدهما يستلزم ارتفاع القدرة عن إنقاذ الاخر، فيرتفع الحكم لكن لاجل عدم موضوعه، اما أصل الجعل وهو جعل وجوب إنقاذ كل غريق فلم يمس بشئ بل هو على حاله.
ومن الواضح أيضا ان الحكم لا نظر له إلى موضوعه لا حدوثا ولا بقاء، فما يوجب رفع موضوع الحكم لا يتنافى مع الحكم وكيفية جعله.
وعليه، فإذا قدم أحد الحكمين - في مسألة الغريقين - وكان موجبا لرفع موضوع الغير لم يناف الحكم الاخر، إذ الحكم الاخر لو كان في هذا الحال ناظرا إلى متعلقه وداعيا إليه لكان مستلزما للنظر إلى حفظ موضوعه، لان دعوته إلى متعلقه وصرف القدرة فيه ملازمة لدعوته إلى عدم صرف القدرة في متعلق الاخر الملازم لحفظ موضوعه بقاء، لان صرف القدرة في متعلق الاخر ترفع موضوعه على ما عرفت. وقد عرفت أن الحكم لا ينظر إلى موضوعه بقاء وحدوثا.
وبالجملة: فعدم تحقق الحكمين في الفرض لاجل عدم تحقق موضوعيهما معا لا لاجل قصور جعلهما، وكل من الحكمين لا يتنافى مع الاخر، لأنه وان استلزام ارتفاعه لكن لاجل انه استلزم ارتفاع موضوعه، فدائرة جعل كل منهما على حاله والتنافي في مقام الفعلية وثبوت الحكم لموضوعه المقدر، لان كلا منهما يستلزم نفي الاخر بنحو السالبة بانتفاء الموضوع لا السالبة مع وجود الموضوع كما هو الحال في التعارض.