الثانوي، وجعل الأمارة وسيلة إلى مراده الواقعي (148).
148 - اعلم: أن للحكم الشرعي مرتبتين ليس غير:
الاولى: مرتبة الإنشاء وجعل الحكم على موضوعه، كالأحكام الكلية القانونية قبل ملاحظة مخصصاتها ومقيداتها، نحو قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) أو (احل الله البيع) وكالأحكام الشرعية التي نزل به الروح الأمين على قلب نبيه، ولكن لم يأن وقت إجرائها؛ لمصا لح اقتضته السياسة الإسلامية، وترك إجرائها إلى ظهور الدولة الحقة عجل الله تعالى فرجه.
الثانية: مرتبة الفعلية، وهي تقابل الاولى من كلتا الجهتين.
فالأحكام الفعلية عبارة: عن الأحكام الباقية تحت العموم والمطلق بعد ورود التخصيصات والتقييدات حسب الإرادة الجدية، أو ما آن وقت إجرائها، فالذي قام الإجماع على أنه بين العالم والجاهل سواسية إنما هو الأحكام الإنشائية المجعولة على موضوعاتها، سواء قامت عليه الأمارة، أم لا، وقف به المكلف، أم لا، وهكذا، وهي لا يتغير عما هي عليه، وأما الفعلية فيختلف فيها الأحوال كما سيوضح.
وأما توضيح الجواب وحسم الإشكال فهو ما مر منا: أن مفاسد إيجاب الاحتياط كلا أو تبعيضا صارت موجبة لرفع اليد في مقام الفعلية عن الأحكام الواقعية في حق من قامت الأمارة، أو الاصول على خلافها، وليس هذا أمرا غريبا منه، بل هذا نظام كل مقنن؛ إذ في التحفظ التام على الواقعيات من الأحكام مفسدة عظيمة لا تجبر بشيء أيسرها خروج الناس من الدين، ورغبتهم عنه، وتبدد نظام معاشهم ومعادهم، فلأجل هذا كله رفع اليد عن إجراء الأحكام في الموارد التي قام الأمارة أو الأصل على خلافها، وليس هذا من قبيل قصور مقتضيات الأحكام وملاكاتها في موارد قيام الأمارات والاصول على خلافها، حتى يتقيد الأحكام الواقعية بعدم القيام، بل من قبيل رفع اليد لجهة اللابدية ومزاحمة الفاسد والأفسد في مقام الإجراء. فالأحكام الواقعية تنشأ على موضوعاتها من غير تقييد.
ويكفي في صحة ما ذكرنا ملاحظة القوانين العالمية، أو المختصة بجيل دون جيل وطائفة دون اخرى؛ فإن الأحكام ينشأ على وجه الإنشاء على موضوعاتها العارية من كل قيد وشرط، ثم إذا آن وقت إجرائه، يذكر في لوح آخر قيوده ومخصصاته، فالمنشأ على الموضوعات قبل ورود التخصيص والتقييد هو الحكم الإنشائي، والحكم الفعلي اللازم الإجراء ما يبقى تحت العموم والمطلق بعد وردهما عليه. (تهذيب الاصول 2: 138 - 139).