ويمكن أن يقال: إن المقتضي للحكم الواقعي وإن كان موجودا، فيكون اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعية عن اقتضاء وملاك، لكن مع الشك في الطهارة يكون تحصيلها ملازما لمشقة زائدة على أصل التكليف، فمصلحة التوسعة ورفع المشقة عن العبد، صارت مزاحمة لمصلحة التكليف بالطهارة الواقعية، ولأجل رجحانها عليها رخص في الصلاة مع الطهارة الظاهرية، فمصلحة التسهيل على المكلف صارت موجبة لجعل الحكم الظاهري.
إن قلت: فما الداعي إلى جعل الحكمين، إذ لو جعل المانع عدم العلم بالنجاسة لكفى؟!
قلت: بعد ظهور الأدلة في جعل الحكمين، حتى أن أدلة الأحكام الظاهريه أيضا دالة على اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعية؛ لمكان قوله: " حتى تعلم أنه قذر " (1) وبعد عدم إمكان رفع اليد عن الحكم الظاهري، لا لمكان رواية عمار الساباطي، بل للسيرة المستمرة القطعية القائمة على ترتيب آثار الطهارة على المشكوك فيه؛ بحيث توجب القطع بكون هذا الحكم ثابتا في الشريعة، يمكن أن يقال في الجواب عن هذا الإشكال العقلي: بأنه من الممكن أن يكون إذن الشارع وأمره، دخيلا في الملاكات والمصالح الواقعية، فالصلاة إنما صارت معراج المؤمن (2) ومقربة للعبد، لا لاشتمالها ذاتا على تلك الخصوصية أمر بها الشارع أو لا، بل لأمر الشارع، وكونها إطاعة لأمره، ومحصلة للعبودية، فأمر الشارع وإذنه دخيل في الملاك والمصلحة.
نعم، تعلق الأمر بالأركان المخصوصة وبهذه الكيفية الخاصة؛ لترجيح