التخصيص بعد قيام الحجة على وجوب إكرامه.
ومعلوم أن هذه المسألة غير السابقة التي حكمنا بأن أصالة العموم لا تكشف عن حال الفرد.
وعلى الثاني: يمكن أن يتمسك أيضا بأصالة العموم؛ بأن يقال: إن مقتضاها كون زيد العالم واجب الإكرام، ولازم وجوب إكرامه عدم حرمة إكرامه، ولازم ذلك أن يكون زيد المحرم إكرامه هو زيد الجاهل، لا العالم، ولوازم الاصول العقلائية حجة؛ لكونها أمارة على الواقع، وحينئذ تنحل الحجة الإجمالية، لا بمعنى الانحلال الاصطلاحي، بل بمعنى أنها تنحل إلى قيام الحجة بوجوب إكرام زيد العالم، وحرمة إكرام زيد الجاهل، فانحلالها بحسب أثرها؛ فإنه لولا أصالة العموم يكون أثر الحجة الإجمالية تنجز الحرمة الواقعية، ولزوم ترك إكرام كليهما عقلا.
وقد يقال: إن الحجة الإجمالية تنحل إذا قامت الحجة على وجوب إكرام زيد العالم بالخصوص، كما لو قامت البينة على وجوب إكرام زيد العالم، وأما العام فلا يتكفل لحكم الأفراد بالخصوص، بل هو حكم عام متعلق بعنوان عام هو عنوان " العالم "؛ من غير تعرض للفرد بخصوصه، والحجة الإجمالية القائمة على حرمة إكرام زيد، المردد بين العالم والجاهل - التي يجب عقلا الخروج عن عهدتها؛ بترك إكرام كليهما - تقدم على العام (1).
وفيه: أنه لا فرق - من هذه الجهة - بين إفادة حكم زيد العالم بدليل خاص أو حجة عامة، فإن زيدا مصداق العالم وجدانا، ومحكوم بوجوب الإكرام؛ بضم الصغرى الوجدانية إلى الكبرى الكلية، فإذا وجب إكرامه لا يحرم إكرامه، ولازمه حرمة إكرام زيد الجاهل، ولازم الاصول اللفظية حجة، كما عرفت.