أن يكون منشأ الانتزاع أمرا موجودا أو عرضا حالا في موضوعه ومتعلقه.
وإن شئت توضيح ذلك فاعلم: أن الأمر أو النهي إذا صدر من المولى متوجها إلى المكلف ومتعلقا بالمكلف به، يكون له إضافة إلى المولى إضافة صدورية؛ لقيامه به صدورا، وإضافة إلى المكلف وإلى المكلف به، ويكون تحقق هاتين الإضافتين بنفس تحقق منشأ انتزاعهما، وهو الأمر والنهي القائمان بالمولى قياما صدوريا، ولا نفسية لهما، وليس لهما قيام وعروض على المكلف، ولا على المكلف به. ولهذا ترى أن مفهوم المأمور به والواجب والمنهي عنه والمحرم، تصدق على متعلقات الأحكام بعد بعث المولى وزجره، وقبل إيجاد المكلف إياها، فالصلاة واجبة ومأمور بها قبل إتيانها، والغيبة حرام ومزجور عنها قبل ارتكابها، بل الخارج ظرف سقوط التكليف، فكيف يمكن أن يكون ظرف ثبوته؟! فهل يكون ثبوته فيه - بعد تحقق المتعلق - إلا من قبيل تحصيل الحاصل في الواجبات؟!
وبالجملة: إن وزان الأمر والنهي - القائمين بنفس المولى، المضافين إلى المتعلق بلا عروض شيء خارجي موجود فيه - وزان العلم والإرادة والقدرة القائمات بنفس الإنسان، المضافات إلى متعلقاتها قبل تحققها، فكما أن العلم قد يتعلق بأمر متأخر قبل تحققه، وينتزع منه مفهوم المعلوم بواسطة نفس إضافة العلم إليه، وكذا الإرادة والقدرة، فكذلك الأمر والنهي من هذه الحيثية.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن الوجوب والحرمة وكذا سائر الأحكام ليست مما يتحقق بينها تضاد؛ لعدم تحققها في الخارج، وعدم عروضها للمتعلقات، وإنما هي إضافات متحققة بنفس الأمر والنهي، القائمين بنفس المولى قياما صدوريا، وهي تابعة لمناشئها، فإن كانت مناشؤها ممكنة الاجتماع، تكون هي ممكنة الاجتماع، وان كانت ممتنعة الاجتماع فكذلك، بل هي في الوجود والوحدة