لمحات الأصول - تقريرات البروجردي ، للسيد الخميني - الصفحة ١٧٦
الأهم، وحينئذ لا عقاب له أصلا، وقادر على إتيان المهم فحينئذ عليه عقاب واحد على ترك الأهم، وقادر على ترك المهم أيضا، فله عقابان وليس العقابان على أمر غير مقدور.
وبالجملة: ما هو المصحح لتعلق الأمرين هو المصحح لصحة العقوبتين.
ثم إنه قد يشتبه الأمر بسبب اختلاط العصيان الرتبي بالخارجي، فيقال:
إن شرط الأمر بالمهم لما كان هو عصيان الأمر بالأهم، وهو لا يتحقق إلا بمضي زمان الأهم، فيكون الأمر بالمهم بعد مضي زمان إتيانه؛ لأن المفروض اتحاد زمان الأهم والمهم، وهو كما ترى (1).
والجواب: أن الشرط هو العصيان الرتبي، وهو يحصل قبل انقضاء الزمان، لا العصيان الزماني المتوقف على مضي زمانه (55).

1 - انظر فوائد الاصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 346.
55 - ما سلكناه في هذا المضمار، وهو تصوير الأمر بالأهم والمهم في عرض واحد بلا تشبث بالترتب، وهو يبتني على مقدمات:
المقدمة الاولى: أنه سيأتي في محله أن الأوامر متعلقة بالطبائع، وأن الخصوصيات الفردية مطلقا خارجة عن المتعلق وإن كانت متحدة معها خارجا.
المقدمة الثانية: أن الإطلاق بعد تمامية مقدماته يباين العموم في أن الحكم فيه لم يتعلق إلا بنفس الماهية أو الموضوع من غير دخالة فرد أو حال أو قيد فيه، وليس الحكم متعلقا بالأفراد والحالات والطوارئ، ففي قوله: " اعتق الرقبة " تكون نفس الطبيعة - لا أفرادها أو حالاتها - موضوعا للحكم؛ فإن الطبيعة لا يمكن أن تكون حاكية ومرآة للأفراد والخصوصيات وإن كانت متحدة معها خارجا، وهذا بخلاف العموم، فإن أداته وضعت لاستغراق أفراد المدخول، فيتعلق الحكم فيه بالأفراد المحكية بعنوان الكل والجميع.
المقدمة الثالثة: أن التزاحمات الواقعة بين الأدلة بالعرض لأجل عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثالها - كالتزاحم بين وجوب إزالة النجاسة من المسجد ووجوب الصلاة، حيث تكون متأخرة عن تعلق الحكم بموضوعاتها وعن ابتلاء المكلف بالواقعة - لم تكن ملحوظة في الأدلة، ولا تكون الأدلة متعرضة لها، فضلا عن التعرض لعلاجها، فقوله: " أزل النجاسة عن المسجد " - مثلا - لا يكون ناظرا إلى حالات الموضوع - كما عرفت في المقدمة المتقدمة - فضلا عن أن يكون ناظرا إلى حالاته مع موضوع آخر ومزاحمته معه، فضلا عن أن يكون ناظرا إلى علاج المزاحمة، فاشتراط المهم بعصيان الأهم - الذي هو من مقدمات الترتب - لا يمكن أن يكون مفاد الأدلة إن كان المراد شرطا شرعيا مأخوذا في الأدلة، ولا يكون بنحو الكشف عن الاشتراط؛ لما سيأتي من عدم لزومه بل عدم صحته، وسيأتي حال حكم العقل.
المقدمة الرابعة: أن الأحكام الشرعية القانونية المترتبة على موضوعاتها على قسمين:
أحدهما: الأحكام الإنشائية، وهي التي انشئت على الموضوعات ولم تبق على ما هي عليه في مقام الإجراء، كالأحكام الكلية قبل ورود المقيدات والمخصصات ومع قطع النظر عنهما، أو لم يئن وقت إجرائها، كالأحكام التي بقيت مخزونة لدى ولي العصر - عجل الله فرجه - ويكون وقت إجرائها زمان ظهوره؛ لمصا لح تقتضيها العناية الإلهية.
ثانيهما: الأحكام الفعلية، وهي التي آن وقت إجرائها، وبلغت موقع عملها بعد تمامية قيودها ومخصصاتها، ف‍ (أوفوا بالعقود) بهذا العموم حكم إنشائي، والذي بقي بعد ورود المخصصات عليه بلسان الكتاب والسنة هو الحكم الفعلي، ونجاسة بعض الطوائف المنتحلة للإسلام وكفرهم حكمان إنشائيان في زماننا، وإذا بلغا وقت إجرائهما يصيران فعليين.
وأما الفعلية والشأنية بما هو معروف - من أن الحكم بالنسبة إلى الجاهل والغافل والساهي والعاجز يكون شأنيا، وبالنسبة إلى مقابليهم يصير فعليا - فليس لهما وجه معقول؛ لأن الاشتراط الشرعي في بعضها غير معقول، مع عدم الدليل عليه في جميعها، والتصرف العقلي غير معقول، كما سيتضح لك.
وبالجملة: إن الأحكام المضبوطة في الكتاب والسنة لا يعقل فيها غير هاتين المرتبتين، فقوله: (لله على الناس حج البيت...) إلخ لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل والعالم، ولا معنى للفعلية والشأنية في هذا الحكم المجعول المنضبط، وكذا لا يعقل تغيير إرادة الله - تعالى - الصادع بالشرع؛ لامتناع تغيرها، كما هو معلوم لدى أهله.
وأما الاقتضاء والتنجز فليسا من مراتب الحكم: أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأنه حكم عقلي غير مربوط بمراتب الأحكام المجعولة، ومعنى تنجزه قطع عذر المكلف في المخالفة، وعدمه كونه معذورا فيها، من غير تغيير وتبديل في الحكم ولا في الإرادة.
المقدمة الخامسة: أن الأحكام الكلية القانونية تفترق عن الأحكام الجزئية من جهات، صار الخلط بينهما منشأ لاشتباهات:
منها: حكمهم بعدم منجزية العلم الإجمالي إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء؛ بتوهم أن الخطاب بالنسبة إليه مستهجن.
وقد ذكرنا في محله أن الاستهجان ليس في الخطابات الكلية المتوجهة إلى عامة المكلفين، فراجع.
ومنها: توهم أن الخطاب لا يعقل أن يتوجه إلى العاجز والغافل والساهي؛ ضرورة أن الخطاب للانبعاث، ولا يعقل انبعاث العاجز ومثله.
وهذا - أيضا - من موارد الخلط بين الحكم الكلي والجزئي؛ فإن الخطاب الشخصي إلى العاجز ومثله لغو ممتنع صدوره من الملتفت، وهذا بخلاف الخطابات الكلية المتوجهة إلى العناوين الكلية، كالناس والمؤمنين، فإن مثل تلك الخطابات تصح من غير استهجان إذا كان فيهم من ينبعث عنها، ولا يلزم أن تكون باعثة أو ممكنة البعث بالنسبة إلى جميعها في رفع الاستهجان.
ألا ترى أن الخطاب الشخصي إلى من كان عاصيا، أو الكلي إلى عنوان العصاة، مستهجن غير ممكن الصدور من العاقل الملتفت، ولكن الخطاب العمومي غير مستهجن بل واقع؛ لأن الضرورة قائمة على أن الخطابات والأوامر الإلهية شاملة للعصاة؛ وأن بناء المحققين على أنها شاملة للكفار أيضا، مع أن الخطاب الخصوصي إلى الكفار المعلومي
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 176 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست