ثم إن القوم تشبثوا لرد إيراد البهائي (رحمه الله) بوجوه:
الوجه الأول: أن مجرد الرجحان والمحبوبية يكفي لصحة التقرب، ولا تحتاج العبادة إلى الأمر، ولا يجد العقل فرقا بين الفرد المبتلى بالمزاحم وغيره في وجدان تمام الملاك، من غير منقصة في المبتلى لأجل التزاحم (1).
الوجه الثاني: بناء على احتياج صحة العبادة للأمر، لا نسلم امتناع تعلق الأمر بشيئين؛ يكون أحدهما موسعا، والآخر مضيقا، بل المسلم امتناع تعلقه بالمضيقين، فيجوز تعلق الأمر بالصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، وبإزالة النجاسة عن المسجد في أول الوقت (2).
لكن لا يخفى: أنه في الأوامر الموسعة - إذا التزمنا بالتخيير الشرعي بين الأفراد - لا تدفع الاستحالة؛ ضرورة امتناع تعلق الأمر بشيء معينا وتعلق الأمر بضده على نحو التخيير؛ لاستلزامه الأمر بالضدين.
نعم، ما هو الحق والظاهر من الأدلة - من أن الأوامر إنما تتعلق بالطبائع، ويكون الزمان مع كونه كلا ذا أجزاء وهمية، لا كليا ذا أفراد، ظرفا لوقوع الطبيعة فيه، وتكون الطبيعة متكثرة الأفراد باعتبار وقوعها في الزمان الموسع - يدفع الاستحالة؛ ضرورة عدم تعلق الأمر بالأفراد، بل ما يتعلق الأمر به هو الكلي الطبيعي، والأفراد بخصوصياتها غير مأمور بها، ولا يكون تحقق الامتثال بها لأجل تعلق الأمر بالخصوصية، بل لأجل تعلقه بالكلي.
وبالجملة: لا ضدية بين الأمر المتعلق بالطبيعة في ظرف موسع - كالزمان، مثل إيقاع الصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، وكالمكان الموسع، مثل الوقوف في عرفات - وبين الأمر المتعلق بفرد مضاد مع فرد منها؛ لعدم سراية