مكلف به، عكس الصورة المتقدمة، كما في الحج المقيد بالاستطاعة، فالاستطاعة وإن كان تحصيلها من الامور الاختيارية القابلة لتعلق التكليف بها، لكن المصلحة إنما هي في الحج المقيد بالاستطاعة، التي اخذت على نحو لم يتعلق التكليف بها؛ أي حصولها من باب الاتفاق مثلا، فالطلب المتعلق بالحج المقيد لا يسري إلى القيد؛ لقيام المصلحة [به] بهذا النحو.
هذا ملخص ما أفاده المقرر (رحمه الله).
ويرد عليه: - مضافا إلى أن عدم كون شيء موردا للتكليف ليس من الامور الدخيلة في المصلحة؛ فإن الأعدام لا معنى لدخالتها في شيء، بل هذا في الحقيقة يرجع إلى أن نفس ذات المقيد مصلحة؛ بلا دخالة شيء آخر فيها، فقياس ذلك على مورد يكون الأمر العبادي دخيلا في المأمور به كالوضوء والغسل، ليس على ما ينبغي - أن لرجوع القيود إلى الواجب أو إلى الوجوب ملاكات بحسب مقام الثبوت والواقع، لا يمكن التخلف عنها، فلابد أولا من بيان تلك الملاكات الواقعية؛ حتى يتضح الأمر، ويرتفع الخلط.
فنقول: إن الأوامر قد تتعلق بالمتعلقات لغرض جلب المنافع الكامنة فيها، وقد تتعلق لغرض دفع المفاسد والمضار، فكل قيد يكون دخيلا بحسب الثبوت في جلب المنافع أو دفع المضار - بحيث يكون المتعلق بلا تقيده به لا يجلب المصلحة، أو لا يدفع المفسدة - لابد وأن يرجع إلى الواجب لا الوجوب؛ فإن الوجوب والإيجاب آلة لتحصيل تلك المصلحة أو دفع المفسدة، ووسيلة لإيصالها إلى العباد محضا، وأما المصلحة فقائمة بنفس المقيد بما أنه مقيد، ففي مثل تلك الموارد يرجع القيد إلى الواجب والمادة، لا الوجوب والهيئة، فلو فرض أن الصلاة لا تكون بنفس ذاتها بلا تقيدها بالطهارة ذات مصلحة، لا يعقل تعلق الطلب بها بنحو الإطلاق، كما لا يعقل أن يكون الطلب المتعلق بها مشروطا،