والسابق الذي لا ينساه. وقال الأنطاكي: الظالم صاحب الأقوال، والمقتصد صاحب الأفعال، والسابق صاحب الأحوال. وقال ابن عطاء: الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا، والمقتصد الذي يحب الله من أجل العقبى، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحق. وقيل الظالم الذي يعبد الله خوفا من النار، والمقتصد الذي يعبده طمعا في الجنة، والسابق الذي يعبده لا لسبب. وقيل الظالم الذي يحب نفسه، والمقتصد الذي يحب دينه، والسابق الذي يحب ربه. وقيل الظالم الذي ينتصف ولا ينصف، والمقتصد الذي ينتصف وينصف، والسابق الذي ينصف ولا ينتصف. وقد ذكر الثعلبي وغيره أقوالا كثيرة، ولا شك أن المعاني اللغوية للظالم والمقتصد والسابق معروفة، وهو يصدق على الظلم للنفس بمجرد إحرامها للحظ وتفويت ما هو خير لها، فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوتها من الثواب، وإن كان قائما بما أوجب الله عليه تاركا لما نهاه الله عنه، فهو من هذه الحيثية ممن اصطفاه الله ومن أهل الجنة فلا إشكال في الآية، ومن هذا قول آدم - ربنا ظلمنا أنفسنا - وقول يونس - إني كنت من الظالمين - ومعنى المقتصد هو من يتوسط في أمر الدين ولا يميل إلى جانب الإفراط ولا إلى جانب التفريط وهذا من أهل الجنة، وأما السابق فهو الذي سبق غيره في أمور الدين، وهو خير الثلاثة.
وقد استشكل تقديم الظالم على المقتصد وتقديمهما على السابق مع كون المقتصد أفضل من الظالم لنفسه والسابق أفضل منهما، فقيل إن التقديم لا يقتضي التشريف كما في قوله - لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة - ونحوها من الآيات القرآنية التي فيها تقديم أهل الشر على أهل الخير وتقديم المفضولين على الفاضلين. وقيل وجه التقديم هنا أن المقتصدين بالنسبة إلى أهل المعاصي قليل والسابقين بالنسبة إلى الفريقين أقل قليل، فقدم الأكثر على الأقل، والأول أولى فإن الكثرة بمجردها لا تقتضي تقديم الذكر، وقد قيل في وجه التقديم غير ما ذكرنا مما لا حاجة إلى التطويل به، والإشارة بقوله (ذلك) إلى توريث الكتاب والاصطفاء، وقيل إلى السبق بالخيرات.
والأول أولى، وهو مبتدأ وخبره (هو الفضل الكبير) أي الفضل الذي لا يقادر قدره، وارتفاع (جنات عدن) على أنها مبتدأ وما بعدها خبرها، أو على البدل من الفضل لأنه لما كان هو السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب، وعلى هذا فتكون جملة (يدخلونها) مستأنفة وقد قدمنا أن الضمير في يدخلونها يعود إلى الأصناف الثلاثة، فلا وجه لقصره على الصنف الأخير، وقرأ زر بن حبيش والترمذي " جنة " بالإفراد، وقرأ الجحدري " جنات " بالنصب على الاشتغال، وجوز أبو البقاء أن تكون جنات خبرا ثانيا لاسم الإشارة، وقرأ أبو عمرو " يدخلونها " على البناء للمفعول، وقوله (يحلون) خبر ثان لجنات عدن، أو حال مقدرة، وهو من حليت المرأة فهي حال، وفيه إشارة إلى سرعة الدخول، فإن في تحليتهم خارج الجنة تأخيرا للدخول، فلما قال (يحلون فيها) أشار أن دخولهم على وجه السرعة (من أساور من ذهب) من الأولى تبعيضية، والثانية بيانية: أي يحلون بعض أساور كائنة من ذهب، والأساور جمع أسورة جمع سوار، وانتصاب (لؤلؤا) بالعطف على محل (من أساور) وقرئ بالجر عطفا على ذهب (ولباسهم فيها حرير) قد تقدم تفسير الآية مستوفى في سورة الحج (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) قرأ الجمهور " الحزن " بفتحتين. وقرأ جناح بن حبيش بضم الحاء وسكون الزاي. والمعنى: أنهم يقولون هذه المقالة إذا دخلوا الجنة. قال قتادة: حزن الموت. وقال عكرمة: حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات. وقال القاسم: حزن زوال النعم وخوف العاقبة. وقيل حزن أهوال يوم القيامة. وقال الكلبي: ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير: هم الخبز في الدنيا، وقيل هم المعيشة. وقال الزجاج:
أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد. وهذا أرجح الأقوال، فإن الدنيا وإن بلغ