والسموم يكون بالليل، وقيل عكسه. وقال رؤبة بن العجاج: الحرور يكون بالليل خاصة، والسموم يكون بالنهار خاصة. وقال الفراء: السموم لا يكون إلا بالنهار، والحرور يكون فيهما. قال النحاس: وهذا أصح.
وقال قطرب: الحرور الحر، والظل البرد، والمعنى: أنه لا يستوي الظل الذي لا حر فيه ولا أذى، والحر الذي يؤذي. قيل أراد الثواب والعقاب، وسمى الحر حرورا مبالغة في شدة الحر، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال الكلبي: أراد بالظل الجنة، وبالحرور النار. وقال عطاء: يعني ظل الليل وشمس النهار.
قيل وإنما جمع الظلمات وأفرد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق. ثم ذكر سبحانه تمثيلا آخر للمؤمن والكافر فقال (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) فشبه المؤمنين بالأحياء، وشبه الكافرين بالأموات، وقيل أراد تمثيل العلماء والجهلة. وقال ابن قتيبة: الأحياء العقلاء، والأموات الجهال. قال قتادة: هذه كلها أمثال: أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن (إن الله يسمع من يشاء) أن يسمعه من أوليائه الذين خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته (وما أنت بمسمع من في القبور) يعني الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم: أي كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قلبه، قرأ الجمهور بتنوين " مسمع " وقطعه عن الإضافة. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون بإضافته (إن أنت إلا نذير) أي ما أنت إلا رسول منذر ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ، والهدى والضلالة بيد الله عز وجل (إنا أرسلناك بالحق) يجوز أن يكون بالحق في محل نصب على الحال من الفاعل: أي محقين، أو من المفعول: أي محقا، أو نعت لمصدر محذوف: أي إرسالا ملتبسا بالحق، أو هو متعلق ببشيرا: أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعد الحق، والأولى أن يكون نعتا للمصدر المحذوف، ويكون معنى بشيرا: بشيرا لأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها، واقتصر على ذكر النذير دون البشير، لأنه ألصق بالمقام، ثم سلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعزاه، فقال (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم) أي كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبياءهم (جاءتهم رسلهم بالبينات) أي بالمعجزات الواضحة والدلالات الظاهرة (وبالزبر) أي الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم (وبالكتاب المنير) كالتوراة والإنجيل، قيل الكتاب المنير داخل تحت الزبر وتحت البينات والعطف لتغاير المفهومات، وإن كانت متحدة في الصدق، والأولى تخصيص البينات بالمعجزات، والزبر بالكتب التي فيها مواعظ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام، (ثم أخذت الذين كفروا) وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة، ويشعر بعلة الأخذ (فكيف كان نكير) أي فكيف كان نكيري عليهم وعقوبتي لهم، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في " نكير " وصلا لا وقفا، وقد مضى بيان معنى هذا قريبا.
وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حجة الوداع " ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده ".
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأيته قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ) قال:
يكون عليه وزر لا يجد أحدا يحمل عنه من وزره شيئا.