قال الأزهري: أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال إلى أذقانهم ورؤوسهم صعداء، فهم مرفوعوا الرؤوس برفع الأغلال إياها. وقال قتادة: معنى مقمحون: مغلولون، والأول أولى، ومنه قول الشاعر:
ونحن على جوانبها قعود * نغض الطرف كالإبل القماح قال الزجاج: قيل للكانونين شهرا قماح، لأن الإبل إذا وردت الماء رفعت رؤوسها لشدة البرد، وأنشد قول أبي الهذلي:
فتى ما ابن الأغر إذا استوينا * وجب الزاد في شهري قماح قال أبو عبيدة: قمح البعير إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب. وقال أبو عبيدة أيضا: هو مثل ضربة الله لهم في امتناعهم عن الهدى كامتناع المغلول، كما يقال فلان حمار: أي لا يبصر الهدى، وكما قال الشاعر:
* لهم عن الرشد أغلال وأقياد * وقال الفراء: هذا ضرب مثل: أي حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله، وهو كقوله - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك - وبه قال الضحاك. وقيل الآية إشارة إلى ما يفعل بقوم في النار من وضع الأغلال في أعناقهم كما قال تعالى - إذ الأغلال في أعناقهم - وقرأ ابن عباس " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا " قال الزجاج: أي في أيديهم. قال النحاس: وهذه القراءة تفسير ولا يقرأ بما خالف المصحف. قال: وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة، التقدير: إنا جعلنا في أعناقهم وفى أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان، فلفظ هي كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، والعرب تحذف مثل هذا، ونظيره - سرابيل تقيكم الحر - وتقديره: وسرابيل تقيكم البرد، لأن ما وقى من الحر وقى من البرد، لأن الغل إذا كان في العنق فلا بد أن يكون في اليد، ولا سيما وقد قال الله (فهي إلى الأذقان) فقد علم أنه يراد به الأيدي فهم مقمحون: أي رافعوا رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق، لأن من غلت يداه إلى ذقنه ارتفع رأسه. وروي عن ابن عباس أنه قرأ " إنا جعلنا في أيديهم أغلالا " وعن ابن مسعود أنه قرأ " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا " كما روي سابقا من قراءة ابن عباس (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) أي منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، والسد بضم السين وفتحها لغتان، ومن هذا المعنى في الآية قول الشاعر:
ومن الحوادث لا أبالك أنني * ضربت على الأرض بالأسداد لا أهتدي فيها لموضع تلعة * بين العذيب وبين أرض مراد (فأغشيناهم) أي غطينا أبصارهم (فهم) بسبب ذلك (لا يبصرون) أي لا يقدرون على إبصار شئ. قال الفراء: فألبسنا أبصارهم غشوة: أي عمى فهم لا يبصرون سبيل الهدى، وكذا قال قتادة: إن المعنى لا يبصرون الهدى. وقال السدى: لا يبصرون محمدا حين ائتمروا على قتله. وقال الضحاك: وجعلنا من بين أيديهم سدا:
أي الدنيا ومن خلفهم سدا: أي الآخرة فأغشيناهم فهم لا يبصرون: أي عموا عن البعث، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا. وقيل ما بين أيديهم الآخرة وما خلفهم الدنيا، وقرأ الجمهور بالغين المعجمة: أي غطينا أبصارهم، فهو على حذف مضاف. وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز والحسن ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وعكرمة بالعين المهملة من العشا وهو ضعف البصر. ومنه - ومن يعش عن ذكر الرحمن - (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أي إنذارك إياهم وعدمه سواء. قال الزجاج: أي من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار، إنما ينفع الإنذار من ذكر في قوله (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) أي اتبع القرآن، وخشي الله في الدنيا، وجملة