ضربته ضربا، إلا في أشياء يسيرة معروفة لا يقاس عليها، ومعنى الآية: لا يغرنكم الشيطان بالله فيقول لكم: إن الله يتجاوز عنكم ويغفر لكم لفضلكم أو لسعة رحمته لكم. وقرأ أبو حيوة وأبو سماك ومحمد بن السميفع بضم الغين، وهو الباطل. قال ابن السكيت: والغرور بالضم ما يغر من متاع الدنيا. وقال الزجاج: يجوز أن يكون الغرور جمع غار، مثل قاعدة وقعود، قيل ويجوز أن يكون مصدر غره كاللزوم والنهوك، وفيه ما تقدم عن الزجاج من الاستبعاد. ثم حذر سبحانه عباده من الشيطان فقال (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) أي فعادوه بطاعة الله ولا تطيعوه في معاصي الله. ثم بين لعباده كيفية عداوة الشيطان لهم فقال (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) أي إنما يدعو أشياعه وأتباعه والمطيعين له إلى معاصي الله سبحانه لأجل أن يكونوا من أهل النار، ومحل الموصول في قوله (الذين كفروا لهم عذاب شديد) الرفع على الابتداء، ولهم عذاب شديد خبره، أو الرفع على البدل من فاعل يكونوا، أو النصب على البدل من حزبه، أو النعت له، أو إضمار فعل يدل على الذم، والجر على البدل من أصحاب، أو النعت له. والرفع على الابتداء أقوى هذه الوجوه، لأنه سبحانه بعد ذكر عداوة الشيطان ودعائه لحزبه ذكر حال الفريقين من المطيعين له والعاصين عليه فالفريق الأول قال " لهم عذاب شديد " والفريق الآخر قال فيه (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) أي يغفر الله لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح، ويعطيهم أجرا كبيرا وهو الجنة (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين الفريقين، و " من " في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف. قال الكسائي:
والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات. قال: ويدل عليه قوله - فلا تذهب نفسك عليهم حسرات - قال: وهذا كلام عربي ظريف لا يعرفه إلا القليل. وقال الزجاج: تقديره كمن هداه، وقدره غيرهما كمن لم يزين له، وهذا أولى لموافقته لفظا ومعنى، وقد وهم صاحب الكشاف، فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائي. قال النحاس:
والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى: أن الله عز وجل نهى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال - فلعلك باخع نفسك - وجملة (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) مقررة لما قبلها: أي يضل من يشاء أن يضله ويهدي من يشاء أن يهديه (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) قرأ الجمهور بفتح الفوقية والهاء مسندا إلى النفس، فتكون من باب: لا أرينك ها هنا.
وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن والأشهب بضم التاء وكسر الهاء، ونصب " نفسك " وانتصاب " حسرات " على أنه علة: أي للحسرات، ويجوز أن ينتصب على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر كما روي عن سيبويه. وقال المبرد: إنها تمييز. والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر (إن الله عليم بما يصنعون) لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية، والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد.
وقد أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول:
ابتدأتها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال (فاطر السماوات) بديع السماوات. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله (يزيد في الخلق ما يشاء) قال: الصوت الحسن. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (ما يفتح الله للناس من رحمة) الآية قال: ما يفتح الله من باب توبة (فلا ممسك لها) هم يتوبون إن شاءوا وإن أبوا، وما أمسك من باب توبة (فلا مرسل له من بعده) وهم لا يتوبون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في الآية قال:
يقول ليس لك من الأمر شئ. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (لهم مغفرة وأجر كبير) قال: كل