نعيمها أي بلغ لا تخلو من شوائب ونوائب تكثر لأجلها الأحزان، وخصوصا أهل الإيمان، فإنهم لا يزالون وجلين من عذاب الله خائفين من عقابه، مضطربي القلوب في كل حين، هل تقبل أعمالهم أو ترد؟ حذرين من عاقبة السوء وخاتمة الشر، ثم لا تزال همومهم وأحزانهم حتى يدخلوا الجنة. وأما أهل العصيان: فهم وإن نفس عن خناقهم قليلا في حياة الدنيا التي هي دار الغرور، وتناسوا دار القرار يوما من دهرهم فلا بد أن يشتد وجلهم وتعظم مصيبتهم، وتغلي مراجل أحزانهم إذا شارفوا الموت وقربوا من منازل الآخرة، ثم إذا قبضت أرواحهم ولاح لهم ما يسوؤهم من جزاء أعمالهم ازدادوا غما وحزنا فإن تفضل الله عليهم بالمغفرة وأدخلهم الجنة فقد أذهب عنهم أحزانهم وأزال غمومهم وهمومهم (إن ربنا لغفور شكور) أي غفور لمن عصاه، شكور لمن أطاعه (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) أي دار الإقامة التي يقام فيها أبدا ولا ينتقل عنها تفضلا منه ورحمة (لا يمسنا فيها نصب) أي لا يصيبنا في الجنة عناء ولا تعب ولا مشقة (ولا يمسنا فيها لغوب) وهو الإعياء من التعب، والكلال من النصب.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ثمرات مختلفا ألوانها) قال: الأبيض والأحمر والأسود، وفي قوله (ومن الجبال جدد) قال: طرائق (بيض) يعنى الألوان. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال:
الغربيب الأسود الشديد السواد. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: (ومن الجبال جدد) قال: طرائق تكون في الجبل بيض (وحمر) فتلك الجدد (وغرابيب سود) قال: جبال سود (ومن الناس والدواب والأنعام) قال (كذلك) اختلاف الناس والدواب والأنعام كاختلاف الجبال، ثم قال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: فصل لما قبلها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: العلماء بالله الذين يخافونه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: الذين يعلمون أن الله على كل شئ قدير. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن ابن مسعود قال:
ليس العلم من كثرة الحديث، ولكن العلم من الخشية. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عنه قال: كفى بخشية الله علما، وكفى باغترار بالله جهلا. وأخرج أحمد في الزهد عنه أيضا قال: ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية. وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: يحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله. وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب. وأخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في هذه الآية " (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) قال:
هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة ". وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار، أنه سمع رجلا من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد.
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " قال الله (ثم أورثنا