لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة بزينب بنت جحش كما مر في تفسير الآية التي قبل هذه أنزل الله سبحانه (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه) أي واذكر إذ تقول للذي أنعم الله عليه وهو زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن أعتقه من الرق، وكان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية وأعتقه وتبناه، وسيأتي في بيان سبب نزول الآية في آخر البحث ما يوضح المراد منها. قال القرطبي: وقد اختلف في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم ابن جرير الطبري وغيره إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهى في عصمة زيد، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: اتق الله فيما تقول عنها وأمسك عليك زوجك، وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفي في نفسه ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف انتهى (أمسك عليك زوجك) يعنى زينب (واتق الله) في أمرها ولا تعجل بطلاقها (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وهو نكاحها إن طلقها زيد، وقيل حبها (وتخشى الناس) أي تستحيهم، أو تخاف من تعييرهم بأن يقولوا أمر مولاه بطلاق امرأته ثم تزوجها (والله أحق أن تخشاه) في كل حال وتخاف منه وتستحييه والواو للحال: أي تخفى في نفسك ذلك الأمر مخافة من الناس (فلما قضى زيد منها وطرا) قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشئ، يقال قضى وطرا منه: إذا بلغ ما أراد من حاجته فيه، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
أيها الرائح المجد ابتكارا * قد قضى من تهامة الأوطارا أي فرغ من أعمال الحج وبلغ ما أراد منه، والمراد هنا أنه قضى وطره منها بنكاحها والدخول بها بحيث لم يبق وله فيها حاجة، وقيل المراد به الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة وقال المبرد: الوطر الشهوة والمحبة وأنشد:
وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما * قضى وطرا منها جميل بن معمر وقال أبو عبيدة: الوطر: الأرب والحاجة، وأنشد قول الفزاري:
ودعنا قبل أن نودعه * لما قضى من شبابنا وطرا