له العبادة والدعوة (ولا يقتلون النفس التي حرم الله) أي حرم قتلها (إلا بالحق) أي بما يحق أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس (ولا يزنون) أي يستحلون الفروج المحرمة بغير نكاح، ولا ملك يمين (ومن يفعل ذلك) أي شيئا مما ذكر (يلق) في الآخرة (أثاما) والأثام في كلام العرب العقاب. قال الفراء: آثمه الله يؤثمه أثاما وآثاما: أي جازاه جزاء الإثم. وقال عكرمة ومجاهد: إن أثاما واد في جهنم جعله الله عقابا للكفرة. وقال السدي: جبل فيها. وقرئ " يلق " بضم الياء وتشديد القاف. قال أبو مسلم:
والأثام والإثم واحد، والمراد هنا جزاء الآثام فأطلق اسم الشئ على جزائه. وقرأ الحسن يلق أياما جمع يوم: يعنى شدائد، والعرب تعبر عن ذلك بالأيام، وما أظن هذه القراءة تصح عنه (يضاعف له العذاب) قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " يضاعف، ويخلد " بالجزم، وقرأ ابن كثير " يضعف " بتشديد العين وطرح الألف والجزم، وقرأ طلحة بن سليمان " نضعف " بضم النون وكسر العين المشددة والجزم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بالرفع في الفعلين على الاستئناف. وقرأ طلحة بن سليمان " وتخلد " بالفوقية خطابا للكافر. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ " ويخلد " بضم الياء التحتية وفتح اللام. قال أبو علي الفارسي: وهي غلط من جهة الرواية، ووجه الجزم في يضاعف أنه بدل من يلق لاتحادهما في المعنى، ومثله قول الشاعر:
إن علي الله أن تبايعا * تؤخذ كرها أو تجيء طائعا والضير في قوله (ويخلد فيه) راجع إلى العذاب المضاعف: أي يخلد في العذاب المضاعف (مهانا) ذليلا حقيرا (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) قيل هو استثناء متصل، وقيل منقطع. قال أبو حيان: لا يظهر الاتصال لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب، فيصير التقدير: إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فلا يضاعف له العذاب، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف. قال: والأولى عندي أن تكون منقطعا: أي لكن من تاب. قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عام في الكافر والزاني.
واختلفوا في القاتل من المسلمين. وقد تقدم بيانه في النساء والمائدة، والإشارة بقوله (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) إلى المذكورين سابقا، ومعنى تبديل السيئات حسنات أنه يمحو عنهم المعاصي ويثبت لهم مكانها طاعات.
قال النحاس: من أحسن ما قيل في ذلك أنه يكتب موضع كافر مؤمن، وموضع عاص مطيع. قال الحسن:
قوم يقولون التبديل في الآخرة، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدل الله لهم إيمانا مكان الشرك، وإخلاصا من الشك، وإحصانا من الفجور. قال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة. وقيل إن السيئات تبدل بحسنات، وبه قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم: وقيل التبديل عبارة عن الغفران: أي يغفر الله لهم تلك السيئات، لا أن يبدلها حسنات. وقيل المراد بالتبديل: أن يوفقه لأضداد ما سلف منه (وكان الله غفورا رحيما) هذه الجملة مقررة لما قبلها من التبديل (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) أي من تاب عما اقترف وعمل صالحا بعد ذلك، فإنه يتوب بذلك إلى الله متابا: أي يرجع إليه رجوعا صحيحا قويا. قال القفال: يحتمل أن تكون الآية الأولى فيمن تاب من المشركين، ولهذا قال (إلا من تاب وآمن) ثم عطف عليه من تاب من المسلمين وأتبع توبته عملا صالحا، فله حكم التائبين أيضا. وقيل أي من تاب بلسانه ولم يحقق التوبة بفعله، فليست تلك التوبة نافعة، بل من تاب وعمل صالحا فحقق توبته بالأعمال الصالحة، فهو الذي تاب إلى الله متابا: أي تاب حق التوبة، وهي النصوح، ولذلك أكد بالمصدر، ومعنى الآية: من أراد التوبة وعزم عليها فليتب إلى الله، فالخبر في معنى الأمر كذا قيل لئلا يتحد الشرط والجزاء، فإنه لا يقال من