إلى ما تقدم ذكره من الأمم. وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك (وكلا ضربنا له الأمثال) قال الزجاج: أي وأنذرنا كلا ضربنا لهم الأمثال وبينا لهم الحجة، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة، فجعله منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأن حذرنا وذكرنا وأنذرنا في معنى ضربنا، ويجوز أن يكون معطوفا على ما قبله، والتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف، وهو الأمم: أي كل الأمم ضربنا لهم الأمثال (و) أما (كلا) الأخرى: فهي منصوبة بالفعل الذي بعدها، والتتبير: الإهلاك بالعذاب. قال الزجاج: كل شئ كسرته وفتته فقد تبرته. وقال المؤرج والأخفش: معنى (تبرنا تتبيرا) أدمرنا تدميرا أبدلت التاء والباء من الدال والميم (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) هذه جملة مستأنفة مبينة بمشاهدتهم لآثار هلاك بعض الأمم. والمعنى: ولقد أتوا: أي مشركوا مكة على قرية قوم لوط التي أمطرت مطر السوء، وهو الحجارة: أي هلكت بالحجارة التي أمطروا بها، وانتصاب مطر على المصدرية، أو على أنه مفعول ثان: إذ المعنى أعطيتها وأوليتها مطر السوء، أو على أنه نعت مصدر محذوف: أي إمطارا مثل مطر السوء، وقرأ أبو السمأل " السوء " بضم السين، وقد تقدم تفسير السوء في براءة (أفلم يكونوا يرونها) الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي يرون القرية المذكورة عند سفرهم إلى الشام للتجارة، فإنهم يمرون بها، والفاء للعطف على مقدر: أي لم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها (بل كانوا لا يرجون نشورا) أضرب سبحانه عما سبق من عدم رؤيتهم لتلك الآثار إلى عدم رجاء البعث منهم المستلزم لعدم رجائهم للجزاء، ويجوز أن يكون معنى يرجون يخافون (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوءا) أي ما يتخذونك إلا هزوءا: أي مهزوءا بك، قصر معاملتهم له على اتخاذهم إياه هزوا، فجواب " إذا " هو " إن يتخذونك " وقيل الجواب محذوف، وهو قالوا (أهذا الذي) وعلى هذا فتكون جملة " إن يتخذونك إلا هزوءا " معترضة، والأول أولى. وتكون جملة (أهذا الذي بعث الله رسولا) في محل نصب على الحال بتقدير القول: أي قائلين أهذا الخ، وفي اسم الإشارة دلالة على استحقارهم له وتهكمهم به، والعائد محذوف: أي بعثه الله وانتصاب رسولا على الحال: أي مرسلا، واسم الإشارة مبتدأ، وخبره الموصول، وصلته (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا) أي قالوا: إن كاد هذا الرسول ليضلنا: ليصرفنا عن آلهتنا فنترك عبادتها، وإن هنا هي المخففة، وضمير الشأن محذوف: أي إنه كاد أن يصرفنا عنها (لولا أن صبرنا عليها) أي حبسنا أنفسنا على عبادتها، ثم إنه سبحانه أجاب عليهم فقال (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) أي حين يرون عذاب يوم القيامة الذي يستحقونه ويستوجبونه بسبب كفرهم من هو أضل سبيلا: أي أبعد طريقا عن الحق والهدى، أهم أم المؤمنون؟ ثم بين لهم سبحانه أنه لا تمسك فيما ذهبوا إليه سوى التقليد واتباع الهوى، فقال معجبا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قدم المفعول الثاني للعناية كما تقول علمت منطلقا زيدا: أي أطاع هواه طاعة كطاعة الإله: أي انظر إليه يا محمد وتعجب منه. قال الحسن: معنى الآية لا يهوى شيئا إلا اتبعه (أفأنت تكون عليه وكيلا) الاستفهام للإنكار والاستبعاد: أي أفأنت تكون عليه حفيظا وكفيلا حتى ترده إلى الإيمان وتخرجه من الكفر، ولست تقدر على ذلك ولا تطيقه، فليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئتك، وإنما عليك البلاغ. وقد قيل إن هذه الآية منسوخة بآية القتال. ثم انتقل سبحانه من الإنكار الأول إلى إنكار آخر فقال (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) أي أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من آيات القرآن ومن المواعظ، أو يعقلون معاني ذلك ويفهمونه حتى تعتني بشأنهم وتطمع في إيمانهم، وليسوا كذلك، بل هم بمنزلة من لا يسمع ولا يعقل. ثم بين سبحانه حالهم وقطع مادة الطمع فيهم فقال (إن هم
(٧٧)