المنقطعة حياتهم فإنهم إذا ماتوا ضاع من يتوكل عليهم، والتوكل اعتماد العبد على الله في كل الأمور (وسبح بحمده) أي نزهه عن صفات النقصان، وقيل معنى سبح صل، والصلاة تسمى تسبيحا (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) أي حسبك، وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك: كفى بالله ربا، والخبير المطلع على الأمور بحيث لا يخفى عليه منها شئ، ثم زاد في المبالغة، فقال (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) قد تقدم تفسير هذا في الأعراف، والموصول في محل جر على أنه صفة للحي، وقال بينهما ولم يقل بينهن لأنه أراد النوعين، كما قال القطامي:
ألم يحزنك أن جبال قيس * وتغلب قد تباتتا انقطاعا فإن قيل يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السماوات والأرض كما تفيده ثم، فيقال إن كلمة ثم لم تدخل على خلق العرش بل على رفعه على السماوات والأرض، والرحمن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهو صفة أخرى للحي، وقد قرأه الجمهور بالرفع، وقيل يجوز أن يكون بدلا من الضمير في استوى، أو يكون مبتدأ وخبره الجملة: أي فاسأل على رأي الأخفش، كما في قول الشاعر: * وقائلة خولان فانكح فتاتهم * وقرأ زيد ابن علي " الرحمن " بالجر على أنه نعت للحي أو للموصول (فاسأل به خبيرا) الضمير في به يعود إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض والاستواء على العرش. والمعنى: فاسأل بتفاصيل ما ذكر إجمالا من هذه الأمور. وقال الزجاج والأخفش: الباء بمعنى عن: أي فاسأل عنه، كقوله - سأل سائل بعذاب واقع -، وقول امرئ القيس:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك * إن كنت جاهلة بما لم تعلم وقال امرؤ القيس:
فإن تسألوني بالنساء فإنني * خبير بأدواء النساء طبيب والمراد بالخبير الله سبحانه لأنه لا يعلم تفاصيل تلك المخلوقات إلا هو، ومن هذا قول العرب: لو لقيت فلانا للقيك به الأسد: أي للقيك بلقائك إياه الأسد، فخبيرا منتصب على المفعولية، أو على الحال المؤكدة، واستضعف الحالية أبو البقاء فقال: يضعف أن يكون خبيرا حالا من فاعل اسأل، لأن الخبير لا يسأل إلا على جهة التوكيد كقوله - وهو الحق مصدقا - قال: ويجوز أن يكون حالا من الرحمن إذا رفعته باستوى. وقال ابن جرير: يجوز أن تكون الباء في به زائدة. والمعنى: فاسأله حال كونه خبيرا. وقيل قوله به يجري مجرى القسم كقوله - واتقوا الله الذي تساءلون به - والوجه الأول أقرب هذه الوجوه، ثم أخبر سبحانه عنهم بأنهم جهلوا معنى الرحمن فقال (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) قال المفسرون: إنهم قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة. قال الزجاج: الرحمن اسم من أسماء الله، فلما سمعوه أنكروا فقالوا وما الرحمن (أنسجد لما تأمرنا) والاستفهام للإنكار: أي لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له، ومن قرأ بالتحتية فالمعنى: أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له. وقد قرأ المدنيون والبصريون (لما تأمرنا) بالفوقية، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بالتحتية. قال أبو عبيد: يعنون الرحمن. قال النحاس: وليس يجب أن يتأول على الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم اسجدوا لما يأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتصح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين (وزادهم نفورا) أي زادهم الأمر بالسجود نفورا عن الدين وبعد عنه، وقيل زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان، كذا قال مقاتل، والأول أولى. ثم ذكر سبحانه ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن فقال (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) المراد بالبروج بروج