أتوى وأقصر ليله ليرودا * فمضت وأخلف من قبيلة موعدا وأنكر ذلك الأصمعي وقال لا نعرف أثوى. ثم ذكر سبحانه فريق المؤمنين المصدقين فقال (والذي جاء بالصدق وصدق به) الموصول في موضع رفع بالابتداء، وهو عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن تابعه وخبره (أولئك هم المتقون) وقيل الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي صدق به أبو بكر. وقال مجاهد: الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي صدق به علي بن أبي طالب. وقال السدي: الذي جاء بالصدق جبريل، والذي صدق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال قتادة ومقاتل وابن زيد: الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي صدق به المؤمنون، وقال النخعي: الذي جاء بالصدق وصدق به هم المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة. وقيل إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله وأرشد إلى ما شرعه لعباده، واختار هذا ابن جرير وهو الذي اختاره من هذه الأقوال، ويؤيده قراءة ابن مسعود " والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ". ولفظ الذي كما وقع في قراءة الجمهور وإن كان مفردا فمعناه الجمع، لأنه يراد به الجنس كما يفيده قوله (أولئك هم المتقون) أي المتصفون بالتقوى التي هي عنوان النجاة. وقرأ أبو صالح " وصدق به " مخففا: أي صدق به الناس. ثم ذكر سبحانه ما لهؤلاء الصادقين المصدقين في الآخرة فقال (لهم ما يشاءون عند ربهم) أي لهم كل ما يشاؤونه من رفع الدرجات ودفع المضرات وتكفير السيئات، وفي هذا ترغيب عظيم وتشويق بالغ، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم ذكره من جزائهم وهو مبتدأ، وخبره قوله (جزاء المحسنين) أي الذين أحسنوا في أعمالهم. وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم فقال (ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم لأن الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم غفر لهم ما دونه بطريقة الأولى، واللام متعلقة بيشاؤون أو بالمحسنين أو بمحذوف. قرأ الجمهور " أسوأ " على أنه أفعل تفضيل. وقيل ليست للتفضيل بل بمعنى سئ الذي عملوا. وقرأ ابن كثير في رواية عنه أسوأ بألف بين الهمزة والواو بزنة أجمال جمع سوء، (ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) لما ذكر سبحانه ما يدل على دفع المضار عنهم ذكر ما يدل على جلب أعظم المنافع إليهم وإضافة الأحسن إلى ما بعده ليست من إضافة المفضل إلى المفضل عليه، بل من إضافة الشئ إلى بعضه قصدا إلى التوضيح من غير اعتبار تفضيل. قال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ.
وقد أخرج الآجري والبيهقي عن ابن عباس في قوله (غير ذي عوج) قال: غير مخلوق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله (ضرب الله مثلا رجلا) الآية قال: الرجل يعبد آلهة شتى، فهذا مثل ضربه الله لأهل الأوثان (ورجلا سالما) يعبد إلها واحدا ضرب لنفسه مثلا. وأخرجا عنه أيضا في قوله (ورجلا سالما) قال:
ليس لأحد فيه شئ. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال:
لقد لبثنا برهة من دهرنا، ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبلنا (إنك ميت وإنهم ميتون) الآية، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها نزلت فينا. وأخرج نعيم بن حماد في الفتن والحاكم وصححه وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عنه أيضا قال:
نزلت علينا الآية (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة، فقلنا هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن