قوله (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة: أي بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء لهم عند الله (قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) الهمزة للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على محذوف مقدر: أي أيشفعون ولو كانوا الخ، وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم: أي وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم، ومعنى لا يملكون شيئا أنهم غير مالكين لشئ من الأشياء وتدخل الشفاعة في ذلك دخولا أوليا ولا يعقلون شيئا من الأشياء لأنها جمادات لا عقل لها، وجمعهم بالواو والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون. ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده فقال (قل لله الشفاعة جميعا) فليس لأحد منها شئ إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى، كما في قوله - من ذا الذي يشفع عنده ألا بإذنه - وقوله - ولا يشفعون إلا لمن ارتضى - وانتصاب جميعا على الحال، وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان فصاعدا لأنها مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ثم وصفه بسعة الملك فقال (له ملك السماوات والأرض) أي يملكهما ويملك ما فيهما ويتصرف في ذلك كيف يشاء ويفعل ما يريد (ثم إليه ترجعون) لا إلى غيره، وذلك بعد البعث (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) انتصاب وحده على الحال عند يونس، وعلى المصدر عند الخليل وسيبويه، والاشمئزاز في اللغة النفور. قال أبو عبيدة: اشمأزت نفرت، وقال المبرد: انقبضت. وبالأول قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد والمعنى متقارب. وقال المؤرج: أنكرت، وقال أبو زيد: اشمأز الرجل ذعر من الفزع، والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت، وهو في الأصل الأزورار، وكان المشركون إذا قيل لهم لا إله إلا الله انقبضوا، كما حكاه الله عنهم في قوله - وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا - ثم ذكر سبحانه استبشارهم بذكر أصنامهم فقال (وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) أي يفرحون بذلك ويبتهجون به، والعامل في إذا في قوله (وإذا ذكر الله) الفعل الذي بعدها، وهو اشمأزت، والعامل في إذا في قوله (وإذا ذكر الذين من دونه) الفعل العامل في إذا الفجائية، والتقدير: فاجئوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه. ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به صلى الله عليه وسلم من الدعاء إلى الخير وصمموا على كفرهم، أمره الله سبحانه أن يرد الأمر إليه فقال (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) وقد تقدم تفسير فاطر السماوات، وتفسير عالم الغيب والشهادة، وهما منصوبان على النداء ومعنى (تحكم بين عبادك) تجازي المحسن بإحسانه وتعاقب المسئ بإساءته، فإنه بذلك يظهر من هو المحق ومن هو المبطل، ويرتفع عند خلاف المختلفين وتخاصم المتخاصمين. ثم لما حكى عن الكفار ما حكاه من الاشمئزاز عند ذكر الله والاستبشار عند ذكر الأصنام ذكر ما يدل على شدة عذابهم وعظيم عقوبتهم فقال (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا) أي جميع ما في الدنيا من الأموال والذخائر (ومثله معه) أي منضما إليه (لافتدوا به
(٤٦٧)