قوله (الله خالق كل شئ) من الأشياء الموجودة في الدنيا والآخرة كائنا ما كان من غير فرق بين شئ وشئ وقد تقدم تفسير هذه الآية في الأنعام (وهو على كل شئ وكيل) أي الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير مشارك له (له مقاليد السماوات والأرض) المقاليد واحدها مقليد ومقلاد أو لا واحد له من لفظه كأساطير، وهي مفاتيح السماوات والأرض والرزق والرحمة. قاله مقاتل وقتادة وغيرهما. وقال الليث: المقلاد الخزانة، ومعنى الآية له خزائن السماوات والأرض، وبه قال الضحاك والسدي. وقيل خزائن السماوات المطر وخزائن الأرض النبات. وقيل هي عبارة عن قدرته سبحانه وحفظه لها، والأول أولى. قال الجوهري: الإقليد المفتاح، ثم قال: والجمع المقاليد. وقيل هي لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقيل غير ذلك (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) أي بالقرآن وسائر الآيات الدالة على الله سبحانه وتوحيده، ومعنى الخاسرون: الكاملون في الخسران لأنهم صاروا بهذا الكفر إلى النار (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) الاستفهام للإنكار التوبيخي، والفاء للعطف على مقدر كنظائره، وغير منصوب بأعبد، وأعبد معمول لتأمروني كان على تقدير أن المصدرية، فلما حذفت بطل عملها، والأصل: أفتأمروني أن أعبد غير الله. قاله الكسائي وغيره. ويجوز أن يكون غير منصوبا بتأمروني، وأعبد بدل منه بدل اشتمال، وأن مضمرة معه أيضا. ويجوز أن يكون غير منصوبة بفعل مقدر: أي أفتلزموني غير الله: أي عبادة غير الله أو أعبد غير الله أعبد. أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك. قرأ الجمهور " تأمروني " بإدغام نون الرفع في نون الوقاية على خلاف بينهم في فتح الياء وتسكينها. وقرأ نافع " تأمروني " بنون خفيفة وفتح الياء، وقرأ ابن عامر " تأمرونني " بالفك وسكون الياء (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك) أي من الرسل (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل، لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير والإنذار للعباد من الشرك، لأنه إذا كان موجبا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض، والتقدير فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى. قيل وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: ولقد أوحى إليك لئن أشركت وأوحى إلى الذين من قبلك كذلك. قال مقاتل: أي أوحى إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف، ثم قال: لئن أشركت يا محمد ليحبطن عملك، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة. وقيل إفراد الخطاب في قوله (لئن أشركت) باعتبار كل واحد من الأنبياء: كأنه قيل أوحى إليك وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام. وهو لئن أشركت، وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى - ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم - وقيل هذا خاص بالأنبياء لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم، والأول أولى،
(٤٧٤)