ابن جبير وعكرمة وأبو العالية بكسر السين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدري وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب " سالما " بالألف وكسر اللام اسم فاعل من سلم له فهو سالم، واختار هذه القراءة أبو عبيد قال: لأن السالم الخالص ضد المشترك، والسلم ضد الحرب ولا موضع للحرب ها هنا. وأجيب عنه بأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما فالسلم وإن كان ضد الحرب فله معنى آخر بمعنى سالم، من سلم له كذا: إذا خلص له. وأيضا يلزمه في سالم ما ألزم به، لأنه يقال شئ سالم: أي لا عاهة به، واختار أبو حاتم القراءة الأولى.
والحاصل أن قراءة الجمهور هي على الوصف بالمصدر للمبالغة، أو على حذف مضاف: أي ذا سلم، ومثلها قراءة سعيد بن جبير ومن معه. ثم جاء سبحانه بما يدل على التفاوت بين الرجلين فقال (هل يستويان مثلا) وهذا الاستفهام للإنكار والاستبعاد، والمعنى: هل يستوي هذا الذي يخدم جماعة شركاء أخلاقهم مختلفة ونياتهم متباينة يستخدمه كل واحد منهم فيتعب وينصب مع كون كل واحد منهم غير راض بخدمته، وهذا الذي يخدم واحدا لا ينازعه غيره إذا أطاعه رضي عنه، وإذا عصاه عفا عنه. فإن بين هذين من الاختلاف الظاهر الواضح ما لا يقدر عاقل أن يتفوه باستوائهما، لأن أحدهما في أعلى المنازل، والآخر في أدناها، وانتصاب مثلا على التمييز المحول عن الفاعل لأن الأصل هل يستوي مثلهما، وأفرد التمييز ولم يثنه لأن الأصل في التمييز الإفراد لكونه مبينا للجنس وجملة (الحمد لله) تقرير لما قبلها من نفي الاستواء، وللإيذان للموحدين بما في توحيدهم لله من النعمة العظيمة المستحقة لتخصيص الحمد به. ثم أضرب سبحانه عن نفي الاستواء المفهوم من الاستفهام الإنكاري إلى بيان أن أكثر الناس لا يعلمون فقال (بل أكثرهم لا يعلمون) وهم المشركون فإنهم لا يعلمون ذلك مع ظهوره ووضوحه.
قال الواحدي والبغوي: والمراد بالأكثر الكل والظاهر خلاف ما قالاه، فإن المؤمنين بالله يعلمون ما في التوحيد من رفعة شأنه وعلو مكانه، وإن الشرك لا يمائله بوجه من الوجوه، ولا يساويه في وصف من الأوصاف، ويعلمون أن الله سبحانه يستحق الحمد على هذه النعمة، وأن الحمد مختص به. ثم أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الموت يدركه ويدركهم لا محالة فقال (إنك ميت وإنهم ميتون) قرأ الجمهور " ميت، وميتون " بالتشديد وقرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق واليماني " مائت ومائتون " وبها قرأ عبد الله بن الزبير.
وقد استحسن هذه القراءة بعض المفسرين لكون موته وموتهم مستقبلا، ولا وجه للاستحسان، فإن قراءة الجمهور تفيد هذا المعنى. قال الفراء والكسائي: الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف من قد مات وفارقته الروح. قال قتادة: نعيت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ونعيت إليهم أنفسهم. ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه يموت، فقد كان بعضهم يعتقد أنه لا يموت مع كونه توطئة وتمهيدا لما بعده حيث قال (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) أي تخاصمهم يا محمد وتحتج عليهم بأنك قد بلغتهم وأنذرتهم وهم يخاصمونك، أو يخاصم المؤمن الكافر والظالم المظلوم. ثم بين سبحانه حال كل فريق من المختصمين فقال (فمن أظلم ممن كذب على الله) أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فزعم أن له ولدا أو شريكا أو صاحبة (وكذب بالصدق إذ جاءه) وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دعاء الناس إلى التوحيد، وأمرهم بالقيام بفرائض الشرع ونهيهم عن محرماته وإخبارهم بالبعث والنشور، وما أعد الله للمطيع والعاصي. ثم استفهم سبحانه استفهاما تقريريا فقال (أليس في جهنم مثوى للكافرين) أي أليس لهؤلاء المفترين المكذبين بالصدق، والمثوى المقام، وهو مشتق من ثوى بالمكان إذا أقام به يثوي ثواء وثويا، مثل مضى مضاء ومضيا. وحكى أبو عبيد أنه يقال أتوى وأنشد قول الأعشى: