قوله (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) قد قدمنا تحقيق المثل وكيفية ضربه في غير موضع، ومعنى (من كل مثل) ما يحتاجون إليه، وليس المراد ما هو أعم من ذلك، فهو هنا كما في قوله - ما فرطنا في الكتاب من شئ - أي من شئ يحتاجون إليه في أمر دينهم، وقيل المعنى: ما ذكرنا من إهلاك الأمم السالفة مثل لهؤلاء (لعلهم يتذكرون) يتعظمون فيعتبرون، وانتصاب (قرآنا عربيا) على الحال من هذا وهي حال مؤكدة، وتسمى هذه حالا موطئة، لأن الحال في الحقيقة هو عربيا، وقرآنا توطئة له، نحو جاءني زيد رجلا صالحا: كذا قال الأخفش، ويجوز أن ينتصب على المدح. قال الزجاج: عربيا منتصب على الحال، وقرآنا توكيد، ومعنى (غير ذي عوج) لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه. قال الضحاك: أي غير مختلف. قال النحاس:
أحسن ما قيل في معناه قول الضحاك، وقيل غير متضاد. وقيل غير ذي لبس، وقيل غير ذي لحن، وقيل غير ذي شك كما قال الشاعر:
وقد أتاك يمين غير ذي عوج * من الإله وقول غير مكذوب (لعلهم يتقون) علة أخرى بعد العلة الأولى. وهي (لعلهم يتذكرون) أي لكي يتقوا الكفر والكذب. ثم ذكر سبحانه مثلا من الأمثال القرآنية للتذكير والإيقاظ، فقال (ضرب الله مثلا) أي تمثيل حالة عجيبة بأخرى مثلها. ثم بين المثل فقال (رجلا فيه شركاء متشاكسون) قال الكسائي: نصب رجلا لأنه تفسير للمثل، وقيل هو منصوب بنزع الخافض: أي ضرب الله مثلا برجل، وقيل إن رجلا هو المفعول الأول، ومثلا هو المفعول الثاني، وأخر المفعول الأول ليتصل بما هو من تمامه، وقد تقدم تحقيق هذا في سورة " يس "، وجملة (فيه شركاء) في محل نصب صفة لرجل، والتشاكس التخالف. قال الفراء: أي مختلفون. وقال المبرد: أي متعاسرون من شكس يشكس شكسا فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر. قال الجوهري: التشاكس الاختلاف. قال:
ويقال رجل شكس بالتسكين: أي صعب الخلق، وهذا مثل من أشرك بالله وعبد آلهة كثيرة. ثم قال (ورجلا سلما لرجل) أي خالصا له، وهذا مثل من يعبد الله وحده. قرأ الجمهور " سلما " بفتح السين واللام، وقرأ سعيد