يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة - ثم أخبر سبحانه عما تقوله الخزنة للكفار فقال (وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون) وهو معطوف على يتقي: أي ويقال لهم، وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق. قال عطاء:
أي جزاء ما كنتم تعملون، ومثل هذه الآية قوله - هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون - وقد تقدم الكلام على معنى الذوق في غير موضع. ثم أخبر سبحانه عن حال من قبلهم من الكفار، فقال (كذب الذين من قبلهم) أي من قبل الكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى: أنهم كذبوا رسلهم (فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) أي من جهة لا يحتسبون إتيان العذاب منها، وذلك عند أمنهم وغفلتهم عن عقوبة الله لهم بتكذيبهم (فأذاقهم الله الخزي) أي الذل والهوان (في الحياة الدنيا) بالمسخ والخسف والقتل والأسر وغير ذلك (ولعذاب الآخرة أكبر) لكونه في غاية الشدة مع دوامه (لو كانوا يعلمون) أي لو كانوا ممن يعلم الأشياء ويتفكر فيها ويعمل بمقتضى علمه. قال المبرد: يقال لكل ما نال الجارحة من شئ قد ذاقته: أي وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما. قال: والخزي المكروه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) الآية قال: ما في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره، فذلك قوله (فسلكه ينابيع في الأرض) فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعده. وأخرج ابن مردويه عنه في قوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام) قال: أبو بكر الصديق. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: تلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية (أفمن شرح الله صدره) قلنا يا نبي الله كيف انشراح صدره؟ قال: إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح. قلنا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ فقال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت.
وأخرجه ابن مردويه عن محمد بن كعب القرظي مرفوعا مرسلا. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر " أن رجلا قال: يا نبي الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت، وأحسنهم له استعدادا، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع، فقالوا: ما آية ذلك يا نبي الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ". وأخرجه عن أبي جعفر عبد الله بن المسور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه، وزاد فيه. ثم قرأ (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه). وأخرج الترمذي وابن مردويه وابن شاهين في الترغيب في الذكر، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال " قالوا يا رسول الله لو حدثتنا، فنزل (الله نزل أحسن الحديث) الآية ". وأخرج ابن مردويه عنه في قوله (مثاني) قال: القرآن كله مثاني. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال: القرآن يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه إلى بعض. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال: كتاب الله مثاني ثنى فيه الأمر مرارا. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرأوا القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قلت: فإن ناسا ها هنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية، قالت: أعوذ بالله من الشيطان. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب) قال: ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمى به فيها، فأول ما تمس وجهه النار.