سبحانه ولا يرجون غيره. وقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها بقليل في خوف شديد من المشركين، لا يخرجون إلا في السلاح ولا يمسون ويصبحون إلا على ترقب لنزول المضرة بهم من الكفار، ثم صاروا في غاية الأمن والدعة وأذل الله لهم شياطين المشركين وفتح عليهم البلاد، ومهد لهم في الأرض ومكنهم منها، فلله الحمد، وجملة (يعبدونني) في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة للثناء عليهم، وجملة (لا يشركون بي شيئا) في محل نصب على الحال من فاعل يعبدونني: أي يعبدوني، غير مشركين بي في العبادة شيئا من الأشياء، وقيل معناه: لا يراؤن بعبادتي أحدا، وقيل معناه: لا يخافون غيري، وقيل معناه لا يحبون غيري (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) أي من كفر هذه النعم بعد ذلك الوعد الصحيح، أو من استمر على الكفر، أو من كفر بعد إيمان، فأولئك الكافرون هم الفاسقون، أي الكاملون في الفسق. وهو الخروج عن الطاعة والطغيان في الكفر وجملة (وأقيموا الصلاة) معطوفة على مقدر يدل عليه ما تقدم، كأنه قيل لهم فآمنوا واعملوا صالحا وأقيموا الصلاة، وقيل معطوف على (وأطيعوا الله) وقيل التقدير: فلا تكفروا وأقيموا الصلاة. وقد تقدم الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وكرر الأمر بطاعة الرسول للتأكيد وخصه بالطاعة، لأن طاعته طاعة لله، ولم يذكر ما يطيعونه فيه لقصد التعميم كما يشعر به الحذف على ما تقرر في علم المعاني من أن مثل هذا الحذف مشعر بالتعميم (لعلكم ترحمون) أي افعلوا ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول راجين أن يرحمكم الله سبحانه (لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) قرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة " لا يحسبن " بالتحتية بمعنى: لا تحسبن الذين كفروا، وقرأ الباقون بالفوقية: أي لا تحسبن يا محمد، والموصول المفعول الأول، ومعجزين الثاني، لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين، قاله الزجاج والفراء وأبو علي. وأما على القراءة الأولى، فيكون المفعول الأول محذوفا: أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم. قال النحاس: وما علمت أحدا بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة، ومعجزين معناه: فائتين. وقد تقدم تفسيره وتفسير ما بعده.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (ويقولون آمنا بالله وبالرسول) الآية قال: أناس من المنافقين أظهروا الإيمان والطاعة، وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله وطاعته وجهاد مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرجوا أيضا عن الحسن قال: إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة أو منازعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا دعى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو محق أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيقضي صلى له بالحق، وإذا أراد أن يظلم فدعى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرض وقال: أنطلق إلى فلان، فأنزل الله سبحانه (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) إلى قوله (هم الظالمون) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من كان بينه وبين أخيه شئ فدعاه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب، فهو ظالم لاحق له " قال ابن كثير بعد أن ساق هذا المتن ما لفظه: وهذا حديث غريب وهو مرسل.
وقال ابن العربي: هذا حديث باطل، فأما قوله: فهو ظالم، فكلام صحيح. وأما قوله: فلا حق له، فلا يصح.
ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق انتهى. وأقول: أما كون الحديث مرسلا فظاهر. وأما دعوى كونه باطلا فمحتاجة إلى برهان، فقد أخرجه ثلاثة من أئمة الحديث عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما ذكرنا، ويبعد كل البعد أن ينفق عليهم ما هو باطل، وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مبارك، حدثنا الحسن فذكره. وليس في هؤلاء كذاب ولا وضاع. ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من دعي إلى سلطان فلم